سورة الزمر
قوله تعالى : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ
وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ).
ابن عطية : أي
اتخاذ التشريف والتلبي ، وأما الاتخاذ المسمى المعلوم ؛ فلا يتوهم ولا يستقيم عليه
الاصطفاء ، قال : وقوله تعالى : (وَما يَنْبَغِي
لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) [سورة مريم : ٩٢] ؛ توهم اتخاذ ولد واتخاذ الاصطفاء ، فأما الأول لمعقول ،
وأما الثاني فبخبر الشارع.
وقال الزمخشري
: أي لو أراد اتخاذ الولد لم يصح لكونه محالا ، ولم يتأتى إلا أن يصطفي بعض خلقه
ويختصهم ويقربهم ؛ كما يختص الرجل ولده ، وقد فعل ذلك بالملائكة فغركم ذلك وزعمتم
أنهم أولاده جدلا منكم.
قال ابن عرفة :
فحمله ابن عطية على اتخاذ التشريف ، وحمل الزمخشري على اتخاذ الولد حقيقة ، فكان
جواب الشرط على قول الزمخشري مشكلا ؛ لأن القضية الشرطية المتصلة يلزمها منفصلة
مانعة الجمع من غير مقدمها ونقيض بالهاء ومانعة الخلو من نقيض مقدمها وعين تاليها
، فيدخلها نفي الملزوم مع صحة وجود اللازم ، وهذا خلاف إجماع النظام ، لأنه قال :
لو أراد الله اتخاذ الولد لامتنع ذلك ، لكونه محالا ؛ فلم يثق إلا أن يصطفي من
خلقه ما يشاء ، وقد فعل ذلك بالملائكة والأنبياء عليهمالسلام مع أن (لَوْ) إذا دخلت محل نفي عاد ثبوتين وبالعكس ، وهنا دخلت على
ثبوتين فيعودا تعيين فيعود أحدهما : وهو الأول نفيا ، والثاني ثبوتا.
وأجاب شيخنا :
بأن المثبت الاصطفاء الواقع من الله تعالى للأنبياء ؛ لا الاصطفاء الذي هو التلبي
وهو المراد من اللازم ، والمراد نفيه فينتفي الملزوم ، وتقديره لو أراد الله اتخاذ
الولد للاصطفاء اصطفاء التلبي واللازم باطل والملزوم مثله ، قيل له : عبر في
اللازم بالإرادة وفي الملزوم بالمشيئة ؛ وهما معنى واحد ، فأجاب : بأنه تفنن في
الخطاب ، قيل له : هل تدل لفظ التكوير على أن السماء كورية؟ فقال : نعم ؛ لأن
تكويرها مع فردها عن محله محال ، ومن لوازمه تكور فلكها لاستحالة تعلقها دون مكان.
فإن قلت : معهم
التكوير مع البساطة ؛ لأن المراد تداخل الزمانين والباء من أحدهما للآخر ، قلت :
مسلم لكن مع إشعار لفظ التكوير ؛ يريد تكوير لكور العمامة بعضه على بعض.