وصدهم عن القتال ، فخالفوهم في ذلك واتصفوا بأشد ما يناقض عهدهم ، وهو السبب في فشل المؤمنين وخذلانهم.
وقوله تعالى : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ).
قال ابن عرفة : المجرور متعلق بالفعل ، وهو فررتم لا بالفرار إما لقربه منه ، وإما لأنه الأصل في العمل حسبما أشار إليه الزمخشري في (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ) [سورة الروم : ٢٥] ، فقوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) [سورة النصر : ١] ، بطل فهو معلق بزيد وإن ذلك إنما هو حيث يكون المصدر جاريا على ذلك الفعل ، مثل (دَعاكُمْ دَعْوَةً) ، وأما هذا فإن مصدر فررتم الجاري على المفر أن يكون الفرار إلا الفرار ، وما كلام الزمخشري إلا حيث تجري فتأمله ، قلت : وهذا الذي ذكر غير صحيح ، فإن مصدر فررتم ما هو إلا الفرار فتأمله وإما ؛ لأن الفرار مصدر معرف بالألف واللام ، فهو موصول فلو تعلق به لوقع الفصل بين الصلة والموصول بأجنبي [٦٠ / ٢٩٣] ، ومعناه أن تعلق الفعل لن ينفعكم الفرار من كل شيء أو فررتم من الموت أو القتل ، لأنهم قد يفرون لحفظ أموالهم ، كما قالوا (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) ، وإن تعلق بالفرار فمعناه لن ينفعكم الفرار من الموت أو القتل إن فررتم منهما ، قال : ومما يرجح تعلقه بالفرار أنه إذا تعلق بفررتم لم تناقض أول الآية آخرها ، بقوله تعالى : (وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) ، فقد نفعكم الفرار مطلق نفع ، وهو التمتع القليل ، فلا يصح أن ينفي عنهم نفعه لهم مطلقا ، إذا تعلق بالفرار لا يكون فيه تناقض بوجه ، فإن قلت : ما أفاد بقوله (إِنْ فَرَرْتُمْ) ، قلت : عادتهم يجيبون : بأن السالبة عند المنطقيين ما يقتضي وجود الموضوع ولا عدمه كقولك : لا شيء من الآدمي في هذا البيت بمنفس ، فيصدق بأن يكون ليس فيه حيوان بوجه ، والموجبة المعدولة تقتضي وجود الموضوع نحو : كل آدمي في هذا البيت متنفس ، فيقتضي وجوده ، وأنه محكوم عليه بعدم التنفس ، فإما أن يكون كاذبة أو يكون الآدمي ميتا ، وكذلك ما لم يقل : (إِنْ فَرَرْتُمْ) ، لا وهم أنهم إنما لم ينفعهم الفرار لعدم وقوعه ، فلما قال : (إِنْ فَرَرْتُمْ) ، ثم أفاد أنه وجد ولم ينفعهم وجوده.
قوله تعالى : (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً).
الولي : هو القريب الموالي ، فهو أخص من الناصر ؛ لأن الناصر قد يكون أجنبيا ، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ، فلذلك عطفه عليه ، وكذلك قال ابن عطية في أوائل العنكبوت.
قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ).