قال ابن عرفة : إن كانت للسبب فظاهر ، وإن كانت للتعقيب فيكونه الله تعالى أرسل عليهم الريح وإنما يكن أثر مجيئهم ، وأمر الملائكة أن يتربصوا عليهم بقدر ما تستوفي جنودهم ، ويطمعون في أخذ المؤمنين ، فهو إنكالهم.
ابن عطية : لما أرسل عليهم الريح ، قال بعضهم : سحرنا محمد.
قال ابن عرفة : كان بعضهم يقول : بموجبة ولكن سحرهم السحر الحلال ، قيل له : هذا لا يحل إطلاقه ، فقال : ترى الناس إذا تعجبوا من شيء يقول : هذا هو السحر الحلال.
قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً).
قرئ بتاء الخطاب ، فهو وعد للمؤمنين الحفظ النصر ، كقوله تعالى : (لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) [سورة طه : ٤٦] ، وقرئ ما الغيبة فهو وعيد للكفار بأنه يرى عملهم فيجازيهم عليه ، وينتقم لكم منهم.
قوله تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ).
ابن عرفة : هذا من عطف الصفات ، أي وإذ يقول الموصوفون بالنفاق ومرض القلوب ، أو من عطف الموصوفات فيكون المنافقون قسمين : منهم من جزم بالكفر ، ومنهم من في قلبه مرض ، وفي سورة المدثر (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) [سورة المدثر : ٣١] ، فقدم الذين في قلوبهم مرض ، قال : وعادتهم يجيبون : بأن منشأ المقالة في هذه الآية ، هو الجزم بالكفر والتصميم عليه ، لقولهم (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) ، وهذا الكفر صريح ومنشأ المقاولة في سورة المدثر ، الشك في الإيمان لقولهم (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) [سورة المدثر : ٣١] ، فروعي في كل آية منهما الأصل فيما سبق الكلام لأجله ، فقدم هنا المنافقون المصممون على الكفر ، وقدم في المدثر مرضى القلوب ، قيل لابن عرفة : لا معارضة بين الآيتين ، لأن المنافقين هم الذين في قلوبهم مرض ، فقال (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، أعم.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ).
قال ابن عرفة : هذا أخص من أن لو قيل : لا يخلفون عن القتال ، لأنهم إذا عاهدوا الله لا ينهزموا ولا ينصرفوا عن المقاتلة ، فأحرى أن لا يتخلفوا عن حضور القتال ، لتكثير السواد وإن لم يقاتلوا ، أو أحرى أن لا يتسببوا في خذلان المؤمنين