قيل لابن عرفة : فهو إذا منقطع ؛ لأن سيبويه أنشد هذا البيت في باب الاستثناء المنقطع ، فقال ابن عرفة : الفرق بينهما أنه على هذا الوجه يكون المراد به المدح ؛ فهو من تأكيد المدح بما يقتضيه الذم ، والبكرة والعشي حملها ابن عطية على معايب تريد الزمان ، قال : وروى أن أهل الجنة تسدلهم الأبواب بقدر الليل في الدنيا فيعرفون البكر عند افتتاحها والعشي عند ابتدائها ، والليل إنما هو به والشمس ، وقال تعالى (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) [سورة الإنسان : ١٣].
فقال ابن عرفة : يحتمل أن يراد لا يرون شمسا محرقة ؛ لأن الشمس يحجبها عنهم كثرة أنوارها فلا يرونها ، والزمهرير شدة البرد ، وهذا أمر جائز ممكن لا مانع يمنع منه ، أو يحتمل أن يكون مثل قولهم : ضربته الظهر والبطن أي رزقهم هاهنا مستمر.
قوله تعالى : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا).
قال ابن عرفة : كان بعضهم يقول : إنما قال (نُورِثُ) ولم يقل : نعطي أو نجازي ؛ إشارة إلى أنها ليست عوضا عن الأعمال بوجه ، ولم يأخذها أحد بالاستحقاق ، وإنما كالميراث الذي أخذ كوارث بغير معاوضة والاستحقاق ، قال :
وفي هذا تشريف لهم من وجهين :
أحدهما : لفظ العباد من حيث إضافته إلى الله تعالى.
والثاني : تقيا ؛ لأنه أخص من المتقي.
قوله تعالى : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا).
قال الفخر : أي .... (١) ، ويحتمل أن يكون هذا من كلام بعض أهل الجنة لبعض ؛ أي ما نزلنا هذه المنازل إلا بأمر ربك.
قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا).
عموم العالم ؛ ومع أنه مردود بقوله تعالى : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) [سورة الكهف : ٩٩] ، ورد في بعض الأحاديث ما يدل على أنه في هذه الآية يعني الذهول ؛ لأنه استدل بها.
قوله تعالى : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ).
أي اصطبر على المشاق لعبادته ؛ وهذا أمر لجميع الناس.
__________________
(١) بياض في المخطوطة ، وسقط أيضا.