يعني : الذين علم الله منهم أنهم يختارون الضلال والكفر ؛ فلا يتوبون منه ولا ينقلعون ؛ فلا يهدي أولئك ، وأما من علم منهم أنه يتوب ويسلم فإنه يهديه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ).
قوله : (مُصَدِّقاً) يحتمل وجوها :
أحدها : أن يقول جئت إليكم بالنعت الذي وصفت في التوراة ، أو (مُصَدِّقاً) بالتوراة وبكتب الله تعالى ؛ ليعلم أن الرسل كان يلزمهم [الإيمان] بالكتب المتقدمة والرسل جميعا ، كما يلزم ذلك أمتهم.
أو يقول : (مُصَدِّقاً) ، يعني : آمركم بعبادة الله ـ عزوجل ـ وتوحيده كما أمرتم به في التوراة ؛ ليعلم أن الرسل كان دينهم واحدا ، وإن كلهم يدعون إلى التوحيد وعبادة الرحمن ، وأما الشرائع فقد يجوز اختلافها ولا يدل ذلك على اختلاف في الدين ؛ لأن الشرائع قد تختلف في رسول واحد ولا يختلف دينه ؛ فكذلك الرسل ، والله الموفق.
وقوله عزوجل : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ).
يعني : مبشرا برسول يصدق بالتوراة على مثل تصديقي ؛ فكأنه قيل له : [ما] اسمه؟ فقال : (اسْمُهُ أَحْمَدُ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ).
قال بعضهم : الذي جاءهم عيسى ، عليهالسلام.
وقال بعضهم (١) : محمد ، عليه الصلاة والسلام.
وقد جاءا جميعا.
وقوله : (بِالْبَيِّناتِ) ، أي : بالبينات التي تبين أن الذي جاء به إنما جاء من عند الله.
وقوله : (هذا ساحِرٌ) ، و (سِحْرٌ مُبِينٌ) ، واختلفوا فيمن قيل له هذا : قال بعضهم : هو عيسى ، عليهالسلام.
وقال بعضهم : هو محمد ، عليه الصلاة والسلام. وقيل : قالوا لهما جميعا.
ويحتمل أن يكون هذا قول أكابر الكفرة للضعفاء منهم ؛ وذلك أنهم لم يجدوا سببا للتمويه سوى أن نسبوه للسحر ، وهذا يدل أنه جاءهم بالآيات المعجزة ؛ حيث نسبوه إلى السحر ، وقالوا : (هذا سِحْرٌ) ، وإنا لا نعلم السحر ، ولو كان الذي جاءهم به سحرا كان حجة عليهم ؛ لأنهم قد علموا أن الرسل لم يختلفوا إلى السحرة ، ولم يتعلموا منهم ، وكان لا يتهيأ لهم اختراعه من تلقاء أنفسهم ، فلو كان سحرا كان حجة عليهم ؛ لأنهم قد علموا
__________________
(١) قاله ابن جريج أخرجه ابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٣١٨).