يخبر أنه يقبل التوبة وإن عظمت المعصية ، وجلت الذنوب وكثرت ، والله أعلم.
قال أبو عوسجة : التوب : جماعة التوبة.
وقوله : (شَدِيدِ الْعِقابِ).
أي : لمن لم يتب.
وقوله : (ذِي الطَّوْلِ).
قال أبو عوسجة (١) : أي : ذي القدرة.
وقال القتبي : ذي التفضل ، يقال : طل عليّ برحمتك ، أي : تفضل.
وقيل (٢) : ذي السعة والغناء.
وقيل (٣) : ذي النعم ؛ وكله قريب بعضه من بعض.
وقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
وحّد نفسه ، وأخبر أن مصير الخلق إليه في الآخرة فيجزيهم بأعمالهم ، والله أعلم.
وقوله : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا).
أي : يجادل في دفع آيات الله والطعن في آيات الله الذين كفروا بالله أو كفروا بآيات الله ، وكانت مجادلتهم ما ذكر حيث قال : (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) أي : يبطلوا به الحق ، أهل الكفر هم الذين كانوا يجادلون في دفع آيات الله والطعن فيها ، فأما أهل الإيمان بها كانوا يفرحون بنزولها ويزدادون بذلك إيمانا ؛ كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) [الرعد : ٣٦] وكقوله : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) [الأنفال : ٢] ، ونحو ذلك من الآيات ، كانوا يستسلمون لها ويقبلونها ، ويستقبلون لها بالتعظيم والتبجيل ، وبالله التوفيق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ). معلوم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يغره تقلبهم في البلاد ، لكنه ذكر الخطاب له ، وأراد به غيره ؛ لما يحتمل أن يظن قوم أن أهل الكفر لما كانوا فيه من التقلب في البلاد والسعة في عيشهم وأن أهل الإيمان في ضيق وشدة وخوف ـ أن أولئك على الحق وهؤلاء على الباطل ، فجائز أن يظن ظان ما ذكرنا ، فأخبر الله ـ عزوجل ـ أن الأمن والسعة ، ليس بدليل على كون صاحبه على الحق ، ولا الضيق والشدة بدليل على كون صاحبه على الباطل ، ولكن محنة : امتحنهم مرة بالسعة
__________________
(١) وهو قول ابن زيد أيضا أخرجه ابن جرير (٣٠٢٧٤).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٠٢٧٢) وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات كما في الدر المنثور (٥ / ٦٤٥) ، وهو قول مجاهد أيضا.
(٣) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٠٢٧٣) وعبد بن حميد كما في الدر المنثور (٥ / ٦٤٥).