وجائز أن يكون قولهم : إنه كذاب ؛ لأنهم اعتادوا عبادة الأصنام دون الله تعالى ، فلما جاء موسى ـ عليهالسلام ـ بما يمنعهم عن عبادة ما اعتادوا من العدد ، ودعاهم إلى عبادة الواحد ـ قالوا : إنه كذاب ، وكذلك قال أهل مكة لرسولنا وسيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم : إنه (ساحِرٌ كَذَّابٌ* أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : ٤ ، ٥] سموه : كذابا ؛ لما دعاهم إلى عبادة الواحد ، ومنعهم عن عبادة ما اعتادوا من العدد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا).
قال بعضهم : أي جاءهم بالتوحيد.
وقال بعضهم : أي : جاءهم بالرسالة.
وكأن غير هذا أقرب ، أي : فلما جاءهم بما يظهر عندهم من الحجج أنها آيات ، وأنها من عندنا جاءت ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ).
أمر أتباعه أن يقتلوا أبناء من آمن منهم ؛ لينزجروا بذلك عن متابعة موسى ؛ لما رأى ما كان من التمويهات والحيل لم يمنعهم عن اتباعه ، بل كانوا يتبعونه ، فأوعدهم بقتل الأبناء كما كان يقتل الأبناء عند ما قيل له : إن ذهاب ملكك بولد يولد كذا ... ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ).
لا شك أن كيدهم في الآخرة في ضلال ، ولكن أراد كأن كيدهم في الدنيا ظهر أنه ضلال ؛ حيث لم يمنعهم كيده وحيله وتمويهاته عن اتباع موسى ، عليهالسلام.
وقوله : (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى).
قال هذا ؛ لما رأى أنه لم يمنعهم عن اتباع موسى ما ذكر من قتل الأبناء ، قال عند ذلك : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) [وهو يحتمل] وجوها :
أحدها : يحتمل أنه هم فرعون أن يقتل موسى ـ عليهالسلام ـ فمنعه قومه أو الملأ من قومه عن قتله ، فقال عند ذلك : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى).
والثاني : يحتمل أنه قال هذا مبتدأ من غير أن كان منهم منع إياه عن قتله ، وهو كما قال ربنا ـ جل وعلا ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) [المدثر : ١١] من غير أن كان من رسول الله صلىاللهعليهوسلم منع له عن ذلك ، وهذا في كلام العرب موجود سائغ التكلم به على الابتداء من غير أن كان من أحد منع عما يريدون أن يفعلوا ، والله أعلم.
والثالث : يحتمل (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) أي : ذروني لائمتي في قتل موسى ، أي : لا تلوموني إذا أنا قتلته ، والله أعلم.