أنفسهم أهلا لعبادة الله فعبدوا غيره دونه ، كمن يعظم ويخدم خادما من خدم ملك من ملوك الدنيا لا يكون مستكبرا عن خدمة الملك.
لكن تأويل الآية يخرج على وجهين :
أحدهما : أن الله تعالى أمر عباده بطاعة رسوله والإجابة له إلى ما يدعوهم ، فإذا لم يجيبوه إلى ما يدعوهم إليه ولم يطيعوه استكبارا منهم وتكبرا عليه ، صار ذلك منهم كالاستكبار عن طاعة الله وعن عبادته.
والثاني : أنهم وإن كانوا عبدوا الأصنام رجاء أن تقربهم إلى الله زلفى ، ولم يقصدوا قصد الاستكبار عن عبادته فهم تركوا عبادته ، مع أنهم أمروا بها وبلغ إليهم أمره على ألسن الرسل ، فكأنهم استكبروا عن عبادة الله تعالى ؛ إذ في الشاهد يخدم المرء لبعض خواص الملك ليقربه إليه : إذا أمره الملك أن يخدمه وقربه إلى مجلسه فامتنع ـ يقدر ذلك منه استكبارا ، ويبين أن خدمته لذلك ما كان ليقربه إلى الملك ؛ حيث قربه فلم يقرب ، ففي الغائب كذلك ؛ لذلك كان استكبارا منهم ، والله أعلم.
وقوله : (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ).
قال القتبي وأبو عوسجة (١) : دخرين : صاغرين ذليلين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً).
يذكرهم نعمه التي أنعم عليهم ، يستأدي بذلك شكره ، حيث قال : (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) راحة لأنفسكم وأبدانكم ، (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) تبصرون فيه معايشكم وما تحتاجون إليه.
ثم قوله : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي : يبصر به وفيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) أخبر أن ذلك كله منه لهم فضل ومنة ورحمة لا باستحقاق يستحقون ذلك قبله (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).
يقول : ذلك الذي صنع بكم هو ربكم لا الأصنام التي تعبدون من دونه ، (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) هو خلقكم وخلق كل شيء واحد لا شريك له ، (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي : أنى تصرفون وتعدلون عن عبادته والقيام بشكره ، والله أعلم.
__________________
(١) وهو قول السدي أيضا ، أخرجه ابن جرير (٣٠٣٩٠).