فقال بعضهم : إن موسى ـ عليهالسلام ـ كان لا يكشف عن نفسه ؛ فآذوه بأن قالوا : إن في بدنه آفة ومكروها.
وقال بعضهم : إن موسى ـ عليهالسلام ـ ذهب مع هارون ـ عليهالسلام ـ إلى جبل ، فقبض هارون في ذلك الجبل ، فآذوه بأن قالوا : قتل موسى أخاه.
ومنهم من قال : كانوا يؤذونه بألسنتهم حيث قالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) [النساء : ١٥٣] ، وبقولهم : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] ، وبقولهم : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) [البقرة : ٦١] ؛ ولكن الوجه أن لا يشار إلى شيء بعينه.
فإن كان التأويل هو الوجه الأول : أنهم آذوه من غير أن يعلموا أن ذلك يؤذيه أن لا يصرف إليه شيء من هذه الأوجه الثلاثة ، وإن كان على الوجه الثاني فكذلك ، وإن كان على الوجه الثالث جاز أن يصرف إليه أي الوجوه منها ، والله أعلم.
ثم حق هذه في رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخرج على وجهين :
أحدهما : أنه يجوز أن يكون بنو إسرائيل آذوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكره الله تعالى أمر موسى ـ عليهالسلام ـ وإيذاءهم إياه ؛ ليكون فيه تصبير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتسكين لقلبه.
أو يجوز أن يكون هذا تحذيرا لأصحابه عن أن يرتكبوا ما يخاف أن يكون فيه أذاه ـ عليهالسلام ـ والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) له معنيان :
أحدهما : أن يقول : (أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ، يعني : خلق فعل الزيغ في قلوبهم يعني : خذلهم الله ، ووكلهم إلى أنفسهم.
قالت المعتزلة محتجين علينا : إن الله تعالى قال : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [البقرة : ٢٦] ذكر أنه إنما يضله بعد ما فسق ، وأنتم تقولون : إنه يضله وهو يهدى؟
قلنا : إن هذا تمويه علينا ، وذلك أنا نقول : إن الله تعالى يضله لوقت اختياره الضلال ، ويزيغه لوقت اختياره الزيغ ، وإذا كان كذلك ، لم يلزم ما قالت المعتزلة ، مع أنهم يقولون : إن الله تعالى يضله بعد ضلالته بنفسه ؛ عقوبة له ، ويريد له هدى بعد اهتدائه ثوابا له.
ولا يستقيم كذلك ؛ لأنا قد نراه في الشاهد يكفر بعد إيمان ويؤمن بعد كفره ، وإذا كفر بعد ما كان مؤمنا ، وذلك وقت يريده الله تعالى هدي ؛ ثوابا لإيمانه المتقدم ؛ فإذا كفر فكأن هداية الله تعالى كانت سببا لكفره ، أو إذا آمن بعد ما كان كافرا وقت عقوبته بالكفر ؛ فكأن عقوبة الله تعالى بالكفر على الكفر المتقدم كان سببا للإيمان ، وهذا كلام مستقبح.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ).