الكفار ، فلما ثبت بما وصفنا أنهم كانوا يصرفون النساء إليهم مع علمهم أنهن مرتدات ثبت أن المرتدة لا تقتل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ ...) الآية.
المبايعة والهجرة كانتا واجبتين في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومعناهما اليوم واجب أيضا : وذلك أن الهجرة إنما كانت من مكة إلى المدينة ؛ لما كان أحدهم إذا أسلم يخاف على نفسه من فساد الدين بالكفران لو أقام بين أظهرهم ، وكان أيضا يحتاج إلى علم الشرائع والأحكام ، وإنما ارتفعت الهجرة اليوم من مكة إلى المدينة. فأما واحد من أهل الحرب إذا أسلم وخشي على نفسه فساد الدين بالكفران لو أقام بين أظهرهم ، فالواجب عليه أن يهاجر منها إلى دار الإسلام ؛ ليأمن فساد دينه ، ويحصل على علم الشرائع.
وأما المبايعة فإن معناها في النساء : ترغيب الكفرة في الإسلام ، وفي الرجال : حمل الكفرة إلى الإسلام ، وذلك أن الذي أمر به النساء من المبايعة من مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال ، والكفرة إذا علموا أن هذا يؤمر فيه بمحاسن الأمور : رغبهم ذلك في الإسلام. والذي أمر به الرجال إنما هو من جهة النصر والمجاهدة مع النبي صلىاللهعليهوسلم وذلك يظهر الإسلام ويبين ، وهذان المعنيان على كل في نفسه في زماننا هذا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً)
يتوجه إلى الاعتقاد والمعاملة جميعا.
وقوله : (وَلا يَسْرِقْنَ).
يتضمن النهي عن الخيانة في الأموال كافة ، والنقصان عن العبادة جملة ؛ لأنه يقال : أسرق السارق من سرق من صلاته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَزْنِينَ).
يحتمل أن يكون على حقيقة الزنا وعلى دواعيه ؛ على ما روي من قوله ـ عليهالسلام ـ : «اليدان تزنيان ، والعينان تزنيان ، والرجلان تزنيان ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه».
وقوله : (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ).
يحتمل أن يكون نهيا عن إلحاق الولد بأزواجهن وهن يعلمن أنه من الزنا ، وهكذا روي عنه ابن عباس ، رضي الله عنه (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ).
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٤٠٠٥) وأخرجه عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طريق بنحوه كما في الدر المنثور (٦ / ٣١٣).