فكأنه أمرهن أن ينتهين عن هذه المناهي وأن يتبعن أمره ؛ ألا ترى إلى قوله : (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) [التوبة : ٧١] ، يجوز أن يكون هذا كناية عن الأمر ؛ لأنه بين النواهي والمناكير ، ثم قال الله ـ تعالى ـ : (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) ؛ فكأنه أمرهن أن ينتهين عن هذه المناهي وأن يتبعن أمره ؛ ألا ترى إلى قوله : (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [الأعراف : ١٥٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ) ، ولم يقل هاهنا : امتحنوهن ، كما قال في المهاجرات ، ومعنى ذلك عندنا وجهان :
أحدهما : أنه قد تبين هاهنا وجه الامتحان بقوله : (لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ) ، فاستغنى عن ذكر الامتحان.
والوجه الثاني : أن المهاجرات إنما كن يأتين من دار الحرب ، ولم يكن علمن الشرائع ؛ فاحتجن إلى الامتحان ، وأما هؤلاء : كن في دار الإسلام ، وقد علمن شرائعه ؛ فلم يذكر الامتحان لذلك ، والله أعلم.
وقوله : (وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ) هذا يدل على أن الكبائر لا تخرجهن عن الإيمان ؛ لأنه يعلم أن الاستغفار لما يجيء منهن من تضييع هذه الحدود ولو كن يخرجن بتضييعها من الإيمان لم يؤمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالاستغفار لهن ؛ لأن الاستغفار طلب المغفرة ، ويستحيل أن يطلب منه مغفرة من ليس له غفران ؛ فدل على ما وصفنا : أن ارتكاب الكبائر لا يخرج صاحبه من الإيمان ، والله أعلم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) (١٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ).
فكأن الله ـ عزوجل ـ أمرنا أن نغضب على من غضب هو عليه ، وأن نعادي من عاداه ، ونوالي من والاه.
وقوله : (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) الآية.
له تأويلان :
أحدهما : يعني به : الذين غيروا نعت نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وحرفوه من التوراة ؛ فكأن في التوراة أن الله تعالى آيسهم من ثوابه في الآخرة ، كما أيس الكفار من أصحاب القبور أن يبعثوا.
ويجوز أن يكون معناه : ييئس هؤلاء من رحمة الله ، كما يئس الكفار الذين هم في القبور من رحمة الله ، تعالى.