حكم عرف ثبوته على الخصوص لمعنى ، ثم ينعدم المعنى ، [و] ما لا يعقل معناه يجب العمل بالكتاب ولا يترك بترك الناس ، ولا يجوز لهم الإجماع على تركه ، ولا يتحقق الإجماع على ذلك وجماعة من أصحابنا قالوا : إنه صار منسوخا بقوله : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) [النساء : ٢٩] ، وبقوله ـ عليهالسلام ـ : «لا يحل مال امرئ مسلم إلا من طيبة من نفسه» ، والله أعلم.
والسادس : في قوله ـ تعالى ـ : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) دلالة على أنه سوى في الحكم بين أموالنا وأموالهم ثم الإجماع جرى على أنا إذا غلبنا على أموال أهل الحرب ملكناها ، فكذلك إذا غلبوا على أموالنا يجب أن يملكوها ، وفيما أوجب من الحرمة إذا جاءت النسوة إلينا مؤمنات مهاجرات ـ دلالة على أن الأحكام في الأنفس مختلفة ؛ وعلى هذا ما خلف كل واحد منهما من المال في الدار التي هاجر منها إلى أخرى أنه يصير فيئا ؛ لما لم يرو عن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه لما فتح مكة أن يكون تفحص عن شيء من ملك الأموال التي كانت مخلفة حين هاجروا إلى المدينة ؛ فلا بد أن يكون ذلك للتوارث ، أو لما ذكرنا أنها تكون فيئا لهم ، ومعلوم أن التوارث بين أهل الإسلام وأهل الكفر منقطع ، وإذا بطل وجه التوارث ثبت الوجه الآخر ، والله أعلم.
والسابع : في قوله : (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) دلالة على وجوب العدل بين الأعداء ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا ...) [المائدة : ٨] ، وقال : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) [المائدة : ٢] ، وقال ـ هاهنا ـ : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) سوى بين أموالنا وأموالهم ، وهو العدل ؛ فكأنه يقول : ذلك [الذي] أمر من العدل بينكم وبين أعدائكم حكم الله يحكم بينكم ؛ لكي إذا علموا أن العداوة لا تحملكم على ترك العدل ـ حملهم ذلك على التآلف والتعطف ، وعلموا أنكم إذا تركتم شهواتكم وأنفقتم العدل والتسوية : فليس ذلك من عندكم ، ولكن من عند الله ـ تعالى ـ فرغبهم ذلك في الإسلام ؛ فكأنه قال : ذلك الذي أمر من العدل وجعله سببا ، يرغب أعداءكم في الإسلام ، ويحملهم على التآلف (حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، يعني : بما أمر من العدل والتسوية ، (حَكِيمٌ) لا يلحقه الخطأ في التدبير ؛ فدل أن العدل واجب بينهم ، والله الموفق.
والثامن : في الآية دلالة على أن النساء إذا ارتددن لم يقتلن ؛ فإنه قال : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) ؛ فثبت أنهم إذا لم يعلموهن مؤمنات رجعوهن إلى الكفار ؛ لما كان جرى بينهم من الصلح ، ومعلوم أنه إذا رجعن إلى الكفار بعد ما أظهرن الإيمان كن مرتدات ، ولو كانت المرتدة تقتل لكان إذا ظهر ذلك عندهم قتلوها ولم يرجعوها إلى