الأصم : أنه تزوجها وهو حلال (١) ؛ لأن في حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ إخبارا عن حالة حادثة.
وأخبر الآخر عن ظاهر الأمر الأول ، ولحديث بريرة أنه كان زوجها حرّا حتى أعتقت ، ورواية من روى أنه كان عبدا يكون الأولى أولى ؛ لإخباره عن حال حادثة والثاني إخبار عن ظاهر الحال ؛ فكان الأول أولى ؛ فكذلك هذا.
والرابع : أن المهاجرة لا عدة عليها عند أبي حنيفة ـ رحمهالله ـ وعلى قولهما : عليها العدة. وهذه الآية دليل لأبي حنيفة ـ رحمهالله ـ من وجوه :
فإنه ـ عزوجل ـ : قال : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) : نهى عن الرد إلى الزوج الأول ، ولو كانت عليها العدة ، لكان للزوج أن يردها إلى مسكنه لتعتد ؛ ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) [الطلاق : ٦] : كيف أمر الأزواج بإسكانهن في بيوتهم ما دمن في عدتهن ، فلما قال ـ هاهنا ـ : (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) دل على [أن] لا عدة عليها.
وكذا قال : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) فأباح نكاحها مطلقا من غير ذكر العدة.
وكذا قال : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) ، ولو كانت العدة عليها واجبة لكانت باقية بقوله : (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) [الأحزاب : ٤٩] ؛ ألا تراه كيف جعل العدة في حقه ، وإذا كان للزوج عليها حق كانت هي في عصمته ، وقوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) يوجب قطع العصمة ، فلما كان في إيجاب العدة إبقاء العصمة بينهما ، ونهى الله ـ تعالى ـ عن ذلك ؛ فقطعناها وأسقطنا العدة عنها ، والله أعلم.
ولأنهم أجمعوا أنها إذا سبيت وقعت الفرقة وسقطت العدة ، والملك ليس بسبب لإسقاط العدة ؛ ولكنه سبب لنقض العدة ، فلما سقطت العدة عند السبي والمهاجرة ، والسبي لا يوجب الإسقاط دل [على] سقوط العدة لاختلاف الدارين ، والله أعلم.
والخامس : فيه دليل على أن الكتاب يجوز أن ينسخ حكمه بترك الناس العمل ؛ فإن في قوله : (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) ، وقوله : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) الحكم متروك من غير أن يكون في تركه كتاب أو سنة ، ولكن الناس إنما أجمعوا على تركه ، وهذا وأمثاله في
__________________
(٣) أخرجه البخاري (٩ / ٧٠) كتاب النكاح ، باب : نكاح المحرم (٥١١٤) ، وفي المغازي (٧ / ٥٨١) باب : عمرة القضاء (٤٢٥٨) ، ومسلم (٢ / ١٠٣١) كتاب النكاح ، باب : تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته (٤٦ ـ ١٤١٠).
(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٦٩) كتاب المناسك ، باب المحرم يتزوج (١٨٤٣) ، ومسلم (٢ / ١٠٣٢) نحوه كتاب النكاح ، باب : تحريم نكاح المحرم ، وكراهة خطبته (٤٨ ـ ١٤١١) ، وابن ماجه (١ / ٦٣٢) كتاب النكاح ، باب : المحرم يتزوج (١٩٦٤).