يهديك الله ؛ فكأنه قال : [لا أملك] سوى أن أدعو لك بالتوفيق للهداية لا أملك لك من عذاب الله من شيء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا).
يجوز أن يكون هذا عند المنابذة وإظهار العداوة مع الكفرة ، يعني : عليك معتمدنا في النصر على أعدائنا عند قلة عددنا وكثرة عددهم ، وإليك مرجعنا ومفزعنا.
(وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ، إذا قبضنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا).
ذكر أهل التفسير أن تأويل هذه الآية يخرج على ثلاثة أوجه :
أحدها (١) : أي : لا تسلط علينا أعداءنا ؛ فيظنوا أنهم على حق ونحن على باطل.
أو لا تنزل علينا العذاب دونهم ؛ فيظنوا أنهم على حق ونحن على باطل.
أو لا توسع عليهم الدنيا وتضيق علينا ؛ فيظنوا أنهم على حق ونحن على باطل.
ولو كان التأويل هو الثاني لكان يجيء على هذا أن يكون الواجب على العدول من هذه الأمة أن يسألوا الله ـ تعالى ـ العافية ؛ لئلا يتوهم فساقهم أنهم على الحق.
ولكن الجواب عن هذا أن الفساق من هذه الأمة قد علموا أن الذي هم فيه من الفسق محظور ، وأما الكفرة فإن عندهم أن ما يدينون به من الكفر حق ؛ فإذا سلطوا على المؤمنين توهموا أن الذي حسبوه حقّا : حق ، وأما الفسقة من هذه الأمة إذ علموا أن الفسق منهي عنه محظور ، لا يقع لهم هذا الحسبان ، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون المعنى من قوله : (لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً) ، يعني : عذابا ، أي : سببا يعذب به الكفرة ؛ كما قال : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) [آل عمران : ١٩٤] ، وكان تأويله أن آتنا السبب الذي نستوجب به ما وعدتنا على رسلك ، فكذلك الأول ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
يعني : المنتقم من أعدائه (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ).
يعني : لقد كانت لكم في إبراهيم والذين معه قدوة حسنة تحسنون بها إذا اقتديتم بهم وأطعتموهم.
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه الطبري في تفسيره (٣٣٩٤٧) وأخرجه ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس بنحوه كما في الدر المنثور (٦ / ٣٠٥).
(٢) ذكره الطبري في تفسيره دون أن ينسبه لأحد (١٢ / ٦١).