مثل صنيعهم فيستوجبوا من النقمة مثل ما استوجب أولئك.
وما كان منها في حق الرسل ـ عليهمالسلام ـ فهو في حق التسلي لرسولنا وسيدنا صلىاللهعليهوسلم عن بعض ما مسه.
وأصل آخر : أن الخطاب قد يلزم المخاطب مرة بما يخاطب في نفسه ، ومرة بما يؤمر بالاقتداء بغيره إذا كان ذلك الغير لم يفعل ما فعله إلا عن أمر.
ثم إن الله ـ تعالى ـ أمر المؤمنين من هذه الأمة الاقتداء بإبراهيم ـ عليهالسلام ـ ومن معه من المؤمنين ، وأخبرهم عن معاملتهم إياهم وترك مولاتهم ؛ فكأنه قال : اتركوا موالاة الكفرة والإسرار إليهم بالمودة ما داموا على كفرهم ، كما فعله إبراهيم ـ عليهالسلام ـ والذين معه (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) : فنابذوهم ولم يوالوهم ، فافعلوا كفعلهم.
(إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ).
فكأنه قال : اقتدوا بهم إلا بما قال إبراهيم لأبيه : (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) ، يعني : لا تستغفروا للمشركين مثلما استغفر إبراهيم لأبيه المشرك ؛ لأنكم لا تعلمون المعنى الذي استغفر إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لأبيه.
ثم اختلفوا في المعنى الذي استغفر إبراهيم لأبيه :
فقال أبو بكر : إنه كان ـ صلوات الله عليه ـ وعد أن يستغفر لأبيه ، ورأى أن إيجاب الوعد لازم عليه ؛ فاستغفر لهذا المعنى.
وقال الحسن : إنه إنما استغفر له لوقت توبته لا في حال الشرك ؛ لأنه لا يتوهم أنه لم يعلم أنه لا يحل له أن يستغفر للمشرك ، ومن علم أنه يحل له لم يكن مسلما مؤمنا ؛ فثبت [أنه] إنما استغفر لوقت إسلامه.
وعندنا : الاستغفار : طلب المغفرة ، والمغفرة من الله ـ تعالى ـ على وجهين :
أحدهما : مغفرة رحمة وفضل وكرم.
والثاني : أن يوفقه للسبب الذي إذا جاء به غفر له ؛ ألا ترى إلى قوله : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) [نوح : ١٠] ، أي : السبب الذي إذا جئتم به غفر لكم ، وإذا كان كذلك جاز أن يكون استغفار إبراهيم لأبيه على هذا الوجه أن يكون طلب من الله ـ تعالى ـ التوفيق له بالسبب الذي إذا جاء به غفر له ، وذلك مستقيم ، ولكنه لما تبين أنه لا يوفقه لذلك السبب تبرأ منه ، والله أعلم.
وقوله : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ).
أي : لا أملك أن أدفع عنك عذاب الله من شيء ، أو لا أملك أن أهديك دون أن