وقوله : (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) يحتمل معنيين :
أحدهما : أي : لمن كان يرجو ثواب الله تعالى.
والثاني : أن يؤمن بالبعث ؛ وذلك أن الله ـ تعالى ـ وصف أمر البعث في كتابه بصفات مختلفة : مرة إضافة إلى نفسه بقوله : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) [الكهف : ١١٠] ، وكان المعنى منه البعث. ومرة وصفه بصفة أخرى.
وإن كان المراد : الثواب ؛ ففيه إخبار أن الراجي في الحقيقة هو الطالب لما يرجوه بالأسباب التي يرجو الوصول بها إلى ما دعا ورجا ، والخائف في الحقيقة هو الحاذر عما حذر ، والمنتهي عما نهي عنه وحظر. فإن من اعتمد على مجرد الرجاء والخوف دون التمسك بسببهما ، فهو متمن على الله تعالى.
والدليل على تأييد ما نقول : قوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) [البقرة : ٢١٨] ألا تراه كيف حقق معنى الرجاء بالمجاهدة في سبيل الله والعمل بطاعته ، والله أعلم.
وإن كان على البعث فكذلك أيضا ؛ لأنه أضرب عما نهي عنه ، وطلب لما أمر به ؛ فقد تبين أنه يوالي من تفضي موالاته إلى ثواب الله ورحمته ، وأنه يعادي من تفضي موالاته إلى نقمة الله وعذابه ، ومعلوم أنه لا يفعل ذلك إلا من يؤمن بالبعث ؛ فإنما يوالي من رجا منه منفعة الدنيا ويتولى عمن يضره في هذه الدنيا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَتَوَلَّ).
يعني : من يتول عن طاعة الله فيما أمره من معاداة من عادوا ربهم.
(فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
يعني : عن طاعة الخلق ؛ ليعلم أن ما أمرهم به لم يأمرهم لحاجة له في طاعتهم أو لمنفعة ترجع إليه ؛ بل هو غني عن كل ذلك ؛ وإنما أمرهم لحاجتهم إلى ذلك ، ولما علم أن منافع طاعتهم ترجع إليهم خاصة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الْحَمِيدُ) له معنيان : معنى : الحامد ، ومعنى : المحمود.
فإن كان المراد منه : المحمود ، ففيه أن الله ـ تعالى ـ يستحق الحمد من خلقه بما أنعم عليهم.
وإن كان المراد : الحامد ، فمعناه : أن الله يحمد الخلق ويشكرهم ، حتى يجزيهم بالكثير من الثواب عن القليل من الأعمال فيتفضل عليهم بأعمالهم ، فهو حميد من هذين المعنيين.