وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ).
فوجه ذلك وتأويله عندنا ـ والله أعلم ـ : أنه لما رآهم رغبوا في أموالهم ومودتهم رغبة منهم في الكفرة أن يحفظوا أولادهم وأموالهم ، أخبرهم أن كيف يرغبون في حفظهم ذلك ، وهم لو قدروا عليكم وظفروا بكم قتلوكم وآذوكم بألسنتهم؟! فكأنه يقول : كيف توالونهم من حيث تسرون إليهم بالمودة ، وهم لو ظفروا بكم قتلوكم ، وكانوا لكم أعداء؟!
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ).
يعني : أنهم يودون أن يكفروا ، ومع ما يودون أن يكفروا : لو قدروا عليكم قتلوكم ، فمن كانت حالهم معكم مثل هذا : فكيف تطمعون أن يحفظوا أولادكم وأموالكم؟!
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) ، له وجهان : أحدهما : أن كيف توالون الكفرة ؛ لمكان أولادكم وأرحامكم ، وهم لا ينفعونكم يوم القيامة؟!
والثاني : أن أرحامكم لا تنفعكم ولا تشفع لكم يوم القيامة.
وقوله : (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) [يحتمل ـ أيضا ـ وجهين :
أحدهما :] أي : بينكم وبين أرحامكم ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) [عبس : ٣٤ ، ٣٥].
والثاني : أي : يفصل بينكم وبين أرحامكم ؛ لاختلاف أعمالكم ؛ فينزل كل واحد منكم منزل عمله.
قوله تعالى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ...) الآية.
الأصل في أنباء المتقدمين أنها عبر لهذه الأمة ، فما ذكر منها في المؤمنين منهم فهو تذكير للمؤمنين من هذه الأمة ، وتعليم لهم معاملة الكفرة ومنابذتهم على مثل ما فعل المؤمنون منهم بكفرتهم من سائر الأمم.
وما ذكر منها في الكفرة من الأمم الماضية ؛ فهو تخويف لكفرة هذه الأمة لئلا يصنعوا