(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي) وبما وصفناه من الدليل ـ ثبت أن الكبيرة لا تكفره ، ولا تغير اسم الإيمان عنه ، والله الموفق.
ثم فيما نهانا أن نتخذ عدونا وعدوه أولياء دلالة أن ليس في الحكمة اتخاذ الولاية مع الأعداء. ثم من قول المعتزلة : إن الله ـ تعالى ـ أراد من جميع عباده أن يؤمنوا ، وإذا أراد أن يؤمنوا فقد أراد أن يواليهم مع علمه أنهم يختارون عداوته ؛ فكأنهم وصفوا الله ـ تعالى ـ بما يخرجه من الحكمة ويدخل في السفه والجهل بالعواقب ، وذلك كله منفي عن الله ـ سبحانه وتعالى ـ والمعتزلة فيما وصفوا فجرة فسقة ، ويخشى أن يكونوا كفرة ، والله المستعان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) ، أي : بما كتب في الكتاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) ، وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي).
يحتمل أن يكون ذلك فيمن هاجر من مكة إلى المدينة ، وهو أقرب التأويلين ؛ لأن حاطبا إنما كان هاجر من مكة إلى المدينة وفيه نزلت الآية.
ويحتمل أن يكون ذلك حين أرادوا الجهاد إلى مكة ، والله أعلم أي ذلك كان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ).
أي : هو (أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ) من كتابة الكتاب إلى أهل مكة ، (وَما أَعْلَنْتُمْ) : بما أظهرتم من العذر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ) ، أي : من اتخاذ الولاية مع أعدائه ، (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) ، في الاعتقاد : إن اعتقد ذلك ، وفي الفعل : إن لم يعتقده ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ).
التزام مراقبة الله ـ تعالى ـ في السر والعلانية ، وتحذير لهم ؛ ليجمعوا بين السر والعلانية وتخويف لهم عن أن يطلع رسوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ على سرائرهم كما أطلعه على أمر الكتاب إلى أهل مكة.
ثم في هذه الآية أعظم شيء في زجرهم ونهيهم عن المعاصي ، وذلك أنه لما أطلعه على جميع ما يتعاطونه من الذنوب سرّا وعلانية ؛ فإذا علموا أن الرسول صلىاللهعليهوسلم يعلم من سرهم ما يعلم من علانيتهم بما يطلعه الله عليه ؛ يحملهم ذلك على الانتهاء عن المعاصي في السر والعلانية ، وعلى الإجابة إلى ما يدعوهم إليه ، والله أعلم.