(أَوْلى لَكَ فَأَوْلى. ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) [القيامة : ٣٤ ، ٣٥] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
فيه تحريض على المراقبة والتيقظ وقت فعله ؛ لأن من علم وقت فعله أن الله ـ تعالى ـ مطلع على ما يرتكبه من الذنوب ويقربه من الشرور ، امتنع عنها وازدجر ، وقالوا : في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) وعيد من أربعة أوجه :
أحدها : في قوله : (اتَّقُوا اللهَ).
والثاني : في قوله : (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ).
والثالث : في قوله : (اتَّقُوا اللهَ).
والرابع : في قوله : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
ثم ذكر هذا الوعيد خرج بعد ما خاطب المؤمنين ، كقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ) ، فكان الوعيد في المؤمنين أكثر من الوعيد في الكفرة ، لكن المؤمنين يوعدهم عما هي معدة للكافرين ؛ لئلا يعملوا عملا يستوجبون بذلك ما أعد للكافرين ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [آل عمران : ١٣١] ، ثم إن الله ـ عزوجل ـ سمى الآخرة باسم الغد ؛ لسرعة مجيئه ، وسمى الدنيا باسم الأمس ؛ لسرعة فنائها ، وهو كقوله : (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس : ٢٤] ، فيذكرهم ويعظهم بهذه الآية ؛ ليتفكر كل أحد في نفسه ما به : خلق للبعث ، أم خلق لأمر عظيم؟ على ما ذكره الله ، تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ).
قال بعض المفسرين (١) : (نَسُوا اللهَ) ، أي : نسوا العمل لله ، والنسيان هو الترك ، أي : تركوا العمل الواجب لله ـ تعالى ـ فأنساهم أنفسهم ، أي : خذلهم الله ـ تعالى ـ بما نسوا.
ثم الوجه عندنا في الآية : أن ليس أحد من البشر يعمل عملا إلا وهو يأمل بذلك نفعا لنفسه ؛ إذ من لا يعمل للنفع فهو عابث في الشاهد في ذلك العمل ؛ فهؤلاء الكفرة لما لم يأتمروا بأمر الله ـ تعالى ـ ولم يطيعوا ، وتركوا العمل له ـ صار تركهم العمل لله ـ والعمل له عمل لأنفسهم ـ فصاروا تاركين العمل لأنفسهم ؛ فكأنه قال : نسوا أنفسهم ؛ فصاروا منسيين.
__________________
(١) قاله سفيان أخرجه الطبري في تفسيره (٣٣٩١١).