معنى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
يعني : الباقون في النعيم الدائم ، والفلاح في الحقيقة : هو البقاء في النعيم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ...) الآية.
قد علم الله ـ تعالى ـ أنه قد يكون في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم من يلعن سلفه حتى أمرهم بالاستغفار لهم.
وفيه دلالة على فساد قول الروافض والخوارج والمعتزلة ؛ لأن الروافض من قولهم : إن القوم لما ولوا الخلافة أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ كفروا. ومن قول الخوارج : إن عليا ـ رضي الله عنه ـ كفر بقتاله معاوية وأصحابه. وقالت المعتزلة بأن من عدل عن الحق في القتال خرج عن الإيمان ، ولو كان ما ارتكبوا من الزلات يكفرهم أو يخرجهم عن الإيمان لم يكن للاستغفار لهم معنى ؛ لأن الله ـ تعالى ـ نهى عن الاستغفار للمشركين ، فإذا أذن ـ هاهنا ـ بالاستغفار لهم تبين بهذا أن ما ارتكبوا من الذنوب ، لم يخرجهم من الإيمان ، ولأنه أبقى الأخوة فيما بينهم ، مع علمنا أنه لم يكن بين الآخرين والأولين أخوة إلا في الدين ، فلو لا أنهم كانوا مؤمنين لم يكن لإبقاء الأخوة معنى ، والله أعلم.
ولأنه قال ـ تعالى ـ : (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا) ، ولو كان ذلك يخرجهم من الإيمان ، لم يكن لهذا الدعاء معنى ؛ لأن الواجب أن يكون في قلوب المؤمنين عداوة الكفار ومقتهم ، فلما ندب جل شأنه في هذه الآية إلى نفي الغل والحسد عن قلوبهم بتلك الدعوة ثبت أنهم كانوا مؤمنين ، والله أعلم.
ثم في الأمر بالاستغفار لهم دلالة أنه قد كانت منهم ذنوب يستوجبون بها العقوبة لو لا فضل الله ومغفرته ، وإن كانوا فيما يتعاطونه مجتهدين ؛ ليعلم أنه ليس كل مجتهد مصيبا.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا).
يعني : عداوة يحتمل أن يكون المراد منه المؤمنين الذين سبقوهم.
ويحتمل أن يكون هذا في كل المؤمنين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).
الرحمة من الله ـ تعالى ـ فضل منه على عباده وإحسان إليهم ؛ ألا ترى إلى قوله : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران : ٨] : فأخبر أن رحمته هبة منه وإحسان إلى عبده ، والله أعلم.