شرهم.
وقوله : (مِنْ قَبْلِهِمْ).
يعني : من قبل الهجرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) ، يعني : أن الله ـ تعالى ـ ألقى [إليهم] محبة ؛ حتى أنزلوا المهاجرين ديارهم ، وأنفقوا عليهم أموالهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا).
يعني : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما قسم خيبر بين المهاجرين ، وترك الأنصار لم يقسم بينهم ، لم يجد الأنصار في قلوبهم حاجة مما أعطى المهاجرين ، يعني : أن الله ـ تعالى ـ أغنى قلوبهم حتى لا يفكروا عن حاجة ولا مقت البتة.
ويحتمل أن يكون المعنى من الحاجة ـ هاهنا ـ : الغل والحسد (١) ، يعني : أن الله ـ تعالى ـ طهر قلوبهم حتى لم يجدوا في صدورهم حاجة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ).
أي : يؤثرون على أنفسهم في أملاكهم أنهم لا يجدون بما يبذلون هم حاجة مما يملكون ، ويؤثرون المهاجرين على أنفسهم ، ولو كان بهم حاجة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
إن الله ـ تعالى ـ خلق في طبع البشر محبة المحاسن والمنافع والطلب لها ، وبغض المساوي والمضار والهرب عنها ، ثم إنه امتحنهم بالإنفاق مما يحبون ، وحمل النفس على ما يكرهون ؛ طلبا لنجاتهم ، وتوصلا إلى ثوابهم ، ثم وقاية الأنفس من الشح تكون بوجهين :
أحدهما : أن يمن الله على عبده ليصير ما هو غائب عنه من الثواب في الأجل كالشاهد ؛ فيخفف عليه الإنفاق مما يحب ، ويصير ذلك كالطبع له.
والثاني : يوفقه الله ـ تعالى ـ ويعصمه ، ويلهمه تعظيم أمره ونهيه ؛ حتى يقهر نفسه ويحملها على الائتمار بأمر الله ـ تعالى ـ والانتهاء عما نهى عنه ، وإن كان طبعها على خلاف ذلك.
ثم إضافة الوقاية إلى نفسه تدل على أنه قد بقي في خزانته شيء لم يؤته عبده ، حتى يصف نفسه بأنه يقي عنه شح نفسه ، ولو لا ذلك لم يكن لوعده بوقاية نفسه عن شحها
__________________
(١) قاله الحسن أخرجه الطبري في تفسيره (٣٣٨٧٥ ، ٣٣٨٧٦) ، وذكره السيوطي في الدر ، وعزاه إلى عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن الحسن (٦ / ٢٨٨).