وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ).
لم يخرجوهم من ديارهم في الحقيقة ، ولكنهم ضيقوا عليهم حتى خرجوا ، فإذن أضيف الإخراج إليهم ؛ لما كانوا أسبابا لخروجهم ، وهذا كقوله ـ تعالى ـ : (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) [البقرة : ٣٦] ، وإبليس ـ عليه اللعنة ـ لم يتول إخراجهما من الجنة ، ولكن حرضهما على سبب إتيانه ؛ فلم يستقرا بعده في ذلك المكان ؛ فأضيف الفعل إليه ، وقد وصفنا أن هذه الأفعال إذا أضيفت إلى العباد فإنما معنى ذلك أسباب تكون منهم لا حقيقة تلك الأفعال ، وما أضيف إلى الله ـ تعالى ـ من ذلك فهو يحتمل الأمرين جميعا : الحقيقة والسبب في ذلك ؛ لأجل أن العبد لا يمكنه أن يقدر آخر على فعل في وقت فعله إلا على التسبب ، فأما رب العالمين فإنه قادر على إقدار العبد على فعل وقت فعله ؛ فلذلك قلنا : إنه يجوز أن يراد حقيقة الفعل فيما يضاف إلى الله تعالى ، وهو الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ).
يدل على أنه كانت لهم بمكة ديار وأموال ، ثم مع هذا لم يرو عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رد شيء من ديارهم عليهم بعد فتح مكة ، ولا تضمين أولئك شيئا من أموالهم ؛ ليعلم أن أهل الحرب إذا غلبوا على أموال المسلمين ملكوها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ).
يعني : أنهم هاجروا لدينهم ، وانقطعوا عن أسباب عيشهم من الأموال ؛ يبتغون الرزق من الله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ).
دل أن هذا الحق للمجاهدين منهم ، ثم قوله : (وَيَنْصُرُونَ اللهَ) ؛ يحتمل وجهين :
أحدهما : ينصرون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذكر (اللهِ) صلة.
والثاني : ينصرون دين الله ، ويطيعون رسوله ، عليهالسلام.
وقوله : (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
يعني : الذين أظهروا صدق الإيمان من قلوبهم ؛ لهجرتهم لدينهم وسعيهم إلى ما يزلفهم إلى الله ـ تعالى ـ ويقرب إليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ).
يعني : الذين اتخذوا ديارا واسعة تسعهم والمهاجرين ، وهم الأنصار.
وقوله : (وَالْإِيمانَ).
أي : أنهم آمنوا قبل هجرة هؤلاء ، لكي يأمن هؤلاء المهاجرون من أحنهم ، ولا يخافوا