يخلفه فيه الخلفاء من بعده ؛ فيداوله الأغنياء بينهم.
ومعنى آخر : لو فرق هذا بين الفقير والغني لكان حين يقع هذا للغني بيده كان يكتسب به فضول الدنيا ، وأما الفقير فأول [ما] يقع في يده يستمتع به في منافع نفسه ؛ فلذلك فرق في الفقراء ، والله أعلم.
قال بعضهم : الدولة : هي اسم للذي يدول بين الناس ، والدّولة : واحدة ، وهي فعلة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
يعني : ما أعطاكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من هذه الغنيمة فخذوه ولا تظنوا به ظنّا مكروها وما نهاكم عنه فانتهوا ، ليس نهي زجر وشريعة ، ولكن نهي منع ، وما منع منكم من هذا الفيء فانتهوا عنه.
وعلى قراءة ابن مسعود (١) ـ رضي الله عنه ـ : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) ، يحمل معنى الأمر ومعنى الإعطاء ، أي : ما آتاكم من الدنيا فخذوه ، وما نهاكم من الدنيا عنه ـ يعني : زجركم عنه ـ فانتهوا عنه.
قال ـ رحمهالله ـ : ويروى : [أن] عامة الفقهاء يحتجون بهذه الآية في موضع الأمر مع لفظ الإيتاء ، وليس يوجب ظاهره هذا ؛ إذ الإيتاء هو الإعطاء والتمليك ، كقوله : (وَآتُوا الزَّكاةَ) [البقرة : ٤٢] ، ولكن وجه الاحتجاج به : أن الله ـ تعالى ـ لما أمرنا بأخذ معروفه ـ عليهالسلام ـ وإن كان في أخذ المعروف من غيره صلىاللهعليهوسلم خيار : فلأن يلزمنا الأخذ بأمره والاتباع له أحرى وأولى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
هذا يؤكد ما ذكر من اتباع أمره ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ ...) الآية.
وما نسق عليه من قوله : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...) ، وقوله : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ ...) الآيات ظاهر هذا يقتضي إيجاب حق لهم ؛ لأنه إذا قيل : لفلان ، لم يكن بد من أن يقال : كذا وكذا ، وإذا كان كذلك لم يكن به من حق يذكر لهم ، ولا يحتمل أيضا أن يخفي الله ـ تعالى ـ علم ذلك الحق الذي أوجب لهذه الأصناف عن خلقه ؛ فالسبيل في ذلك من جهة التأويل عندنا ، والله أعلم.
ثم يحتمل أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل عن جوابه : لمن؟ قال : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ).
ويحتمل أن يكون الرسول سأل ربه ـ جل وعلا ـ عن جوابه : لمن؟ فأخبر : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ).
__________________
(١) كأنه يريد على التقديم الذي أشار إليه في تفسير الآية السادسة.