يجوز أن يقال : إن الظاهر من هذه الآية أن يكون المراد منها غير قرابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى» ، فقرابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنما تدخل في هذه الآية بالتأويل ، وذلك أن المفهوم من ذكر القرابة إنما هو قرابة المخاطبين في الآية ، ومعلوم أن الخطاب بالقسم إنما هو للمغتنمين.
وفي قوله ـ عزوجل ـ : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) إنما يفهم منه قرابة الرسول ـ عليهالسلام ـ وذو القربى من أصحابنا يسلكون في ذلك مذهبين :
منهم من يقول : إن هذا الحق في الأصل للمحتاجين من القرابة لوجهين :
أحدهما : قوله : (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) وكان المراد منه منصرفا إلى المحتاجين ؛ فكذلك في القرابة.
ومنهم من قال : إن الخمس كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يصل به إلى قرابته ، فلما قبض ـ عليهالسلام ـ انقطع ذلك الحق ؛ لوجهين :
أحدهما : قوله ـ عليهالسلام ـ : «إنا معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا صدقة».
والثاني : إنما كانوا يستوجبونه برسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا قبض انقطع ذلك عنهم ؛ على سبيل انقطاع الحقوق عن أصحابها عند وفاتهم ، ثم الفائدة في منع ما كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الوراثة من وجهين :
أحدهما : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان لا يستعمل نفسه في شيء من لذات الدنيا وشهواتها ، وكان قائما لله تعالى [](١) ؛ فإذا كان كذلك ، جاز أن يكون حقيقة الملك فيه لمولاه ، وإن كان في الظاهر له ، والله أعلم.
فإن قيل : أليست الأملاك كلها لله؟
قيل لهم : نعم ، غير أن الإضافة قد تكون خصوصية حال ، كقوله ـ تعالى ـ : (ناقَةُ اللهِ) [الأعراف : ٧٣] ، وبيت الله.
ووجه آخر : ما كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فهو وقف عليه إلى يوم القيامة ؛ ألا ترى أن زوجاته محبوسات عليه لا يحللن لأحد بعده ، ونبوته عليه ، لم تتحول بعده إلى غيره ؛ فلزم ـ أيضا ـ أن يوقف عليه ملكه ـ عليهالسلام ـ ومعلوم أن ما كان موقوفا فسبيله التصدق ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ).
له معنيان :
أحدهما : أنه لو لم يبين هذه المواضع لكان ذلك الخمس الذي كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) بياض في أ.