الفقراء وأهل الحاجة ، ولم يأخذه لنفسه؟!
ووجه آخر في هذا : ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أحلت لي الغنائم ، ولم تحل لأحد قبلي» (١) ، وقال : «نصرت بالرعب مسيرة شهرين» ، فلو اختص ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم لنفسه ، لجاز له بما قال ، ولكن الله جعل الفيء له بين من كان تحمل مئونتهم على المسلمين لو لا هذا الفيء ؛ كي يكون منة له على أمته ، ولئلا يكون لأحد من أمته عنده ـ عليه الصلاة والسلام ـ يد ولا صنيعة ، والله أعلم.
ووجه آخر : أنه لما لم يؤذن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في كسب شيء من الدنيا وفضولها ؛ حتى يصطنع من فضولها بالمعروف ، فجعل الله له الفيء ليكتسب به الفضائل والمعروف ، والله أعلم.
وفي قوله : «نصرت بالرعب مسيرة شهرين» : دلالة أن ما أفاء الله على رسوله وأعطاه فهو له خاصة ، يصنع به ما شاء ، ويفرقه فيمن شاء ، والقول عند أصحابنا في الإمام إذا أعطاه أهل الحرب فيئا يشترك فيه قومه ؛ لأن هبة الأئمة إنما هي لقومهم ، وكان هبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما نصر بالرعب ؛ فجاز أن يختص بها قومه والله أعلم.
قوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧) لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٠)
ثم قوله : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى).
يعني : رد الله على رسوله من ملك الكفرة ، أو ما أعطى الله لرسوله من ملك الكفرة.
وقوله : (مِنْ أَهْلِ الْقُرى) يجوز أن يكون قرى قد أعطوه ، أو يكون هذه بشارة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في فتح القرى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِذِي الْقُرْبى).
__________________
(١) أخرجه البخاري (١ / ٥١٩) كتاب التيمم (٣٣٥) وطرفاه في (٤٣٨ ، ٣١٢٢) ، ومسلم (١ / ٣٧١) كتاب المساجد (٣ / ٥٢١).