المنافقون (١) ؛ فنزلت هذه الآية ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً).
يشبه أن يكون ما ذكر من مناجاة الرسول ـ عليهالسلام ـ على وجوه ، والناس في مناجاته طبقات :
أحدهم : يناجيه مسترشدا في أمر الدين ، وما ينزل به من النوازل.
والآخر : يناجيه افتخارا به على غيره من الناس ومباهاة منه ؛ ليعلم أن له خصوصية عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفضلا له عنده ، وهو صنيع المنافقين.
والفريق الثالث : يناجونه ؛ ليسمعوا الناس الكذب ويسمعوهم غير الذي سمعوا ، كقوله ـ تعالى ـ : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) [المائدة : ٤١] وهم اليهود وصنيعهم ما ذكر ؛ فجائز أن يخرج المناجاة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الوجوه التي ذكرنا.
ثم ما ذكر من تقديم الصدقة على المناجاة يخرج على وجوه :
أحدها : أمر بتقديم الصدقة ؛ لعظم قدر رسول الله صلىاللهعليهوسلم والخصوصية له ، يطهر بتلك الصدقة ويصير أهلا لمناجاة بها ، وهو كالطهارة التي جعلها سببا للوصول إلى مناجاة الرب ، سبحانه وتعالى.
والثاني : لما خصهم بمناجاة الرسول ، وجعلهم أهلا لها ، أمرهم بتقديم الصدقة ؛ شكرا له منهم بذلك.
والثالث : جائز أن يكون أمرهم بتقديم الصدقة ؛ امتحانا منه إياهم ؛ ليظهر حقيقة أمرهم ، وهو ما جعل الأمر بالجهاد سببا لظهور نفاقهم وارتيابهم في الأمر ؛ فكذلك الأول ، والله أعلم.
وجائز أن يكون الأمر بالصدقة لأهل المناجاة على الذين كانت لهم حوائج عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيمنعونه عن قضاء حاجاتهم بالاشتغال بالمناجاة ، أمرهم بالصلة لأولئك ؛ تطييبا لقلوبهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ).
أي : أن تقديم الصدقة أطهر لقلوبكم من ترك الصدقة.
وقوله : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
جائز أن يكون هذا الأمر لأهل الغناء دون الفقر ، حتى قال : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) ما تصدقون به ، (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٦ / ٢٧١).