وقوله ـ عزوجل ـ : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ).
قال عامة أهل التأويل (١) : أي : أبخلتم يأهل الميسرة أن تقدموا بين [يدي] نجواكم صدقات؟
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ).
أي : تجاوز عنكم إذ لم تفعلوا.
(فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ).
أي : إذا لم تصدقوا تلك الصدقة فآتوا زكاة أموالكم.
قال أهل التأويل (٢) : نسخ ما أمروا به من الصدقة عند المناجاة بما ذكر : من إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
هذا وعيد ، ثم في قوله : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) دلالة قبول خبر الواحد ؛ لأنه يناجيه ولا يعلم به غيره ؛ دل أنه يقبل إذا أخبر به غيره.
وفيه أن لا كل مناجاة تكون من الشيطان ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم ناجى من ذكر ؛ فدل أن قوله : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ) مصروف إلى ما سبق ذكره.
وفيه ألا يفهم من ذكر اليد الجارحة لا محالة ؛ فإنه قال : (بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ) ، وليس للنجوى يد ولا بين ، وكذلك قوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) [فصلت : ٤٢] ، ولم يشكل على أحد أنه لم يرد باليد الجارحة هاهنا ؛ فكيف فهم فيما أضيف إلى الله ـ تعالى ـ في قوله : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [المائدة : ٦٤] ، وقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الصدقة تقع في يد الرحمن» : الجارحة ، لو لا فساد اعتقادهم في الله ـ تعالى ـ وتشبيههم إياه بالخلق.
وقال قتادة : أكثروا النجوى مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فمنعهم الله تعالى عنه ، فقال : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ...) الآية.
وعن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : أنا أول من عمل بها ، تصدقت بكذا ، ثم نزلت الرخصة (٣).
__________________
(١) قاله مقاتل : أخرجه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٦ / ٢٧٢).
(٢) قاله قتادة : أخرجه الطبري عنه (٣٣٨٠١).
(٣) أخرجه سعيد بن منصور ، وابن راهويه ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه والحاكم وصححه كما في الدر المنثور (٦ / ٢٧٢).