المجلس أو يفسح لكم فسحة القلب وتوسعة للعلم والحكم ، والله أعلم.
وقال الحسن (١) : (إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) ، أي : في القتال والحرب ، (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) ، أي : إذا قيل : انهزوا إلى العدو فانهزوا.
قال قتادة (٢) : أي : إذا دعيتم إلى خير أو صلاة فأجيبوا.
وقيل (٣) : هو كل خير : من قتال عدو ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو حق كائنا ما كان ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ).
أخبر أنه يرفع الله الذين آمنوا ، وأخبر أنه يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات ؛ لفضل العلم على سائر العبادات من الجهاد وغيره ؛ ألا ترى أنه قال في آية الجهاد : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) [النساء : ٩٥] جعل للمجاهدين على القاعدين فضل درجة ، وللذين أوتوا العلم على الذين لم يؤتوا درجات ؛ ليعلم فضيلة العلم على غيره ، وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) [التوبة : ١٢٢].
قال بعضهم : إن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يجلس قوما عند نفسه ؛ ليتفقهوا في الدين ، ويبعث قوما سرايا ، حتى إذا رجع السرايا أنذرهم الذين تفقهوا في الدين وتعلموا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فإن كان التأويل هذا ؛ ففيه دلالة فضيلة العلم على الجهاد ؛ حتى أحوج أولئك إليهم.
وقال بعضهم : كان ينفر من كل قوم طائفة ؛ ليتفقهوا في الدين ، فإذا رجعوا إلى قومهم أنذروا قومهم.
وقال قتادة : إن بالعلم لأهله فضيلة ، وإن له على أهله حقّا ، ولعمري الحق عليك أيها العالم أفضل ، والله يعطي كلا من فضل فضله.
وقتادة (٤) يقول في قوله ـ تعالى ـ : (إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا) : إنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلا يضنون بمجالسهم عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأمر الله ـ تعالى ـ أن يفسح بعضهم لبعض.
وقال مقاتل : أقبل نفر من الأنصار ممن شهد بدرا ، فسلموا على نبي الله صلىاللهعليهوسلم ومن حوله ، فردوا السلام ، وضنوا بمجلسهم من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يوسعوا لهم ؛ فقال لهم رسول الله : «قم يا فلان ويا فلان» لنفر منهم من الذين لم يشهدوا بدرا ؛ فتكلم في ذلك
__________________
(١) أخرجه عبد بن حميد كما في الدر المنثور (٦ / ٢٧٠) وهو قول ابن عباس أيضا.
(٢) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد كما في الدر المنثور (٦ / ٢٧١).
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر كما في الدر المنثور (٦ / ٢٧١).
(٤) أخرجه عبد بن حميد ، وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٦ / ٢٧١).