لأن أهل الكتاب وبعض المشركين يقرون بالبعث ، وبعض المشركين ينكرون مع الدهرية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ).
أي : النجوى الذين كانوا يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ، ليس كل نجوى على ظاهر ما يخرج الخطاب عامّا ؛ ولكن يرجع إلى النجوى التي ذكرنا ، وهو الذي نهوا عنه.
ثم قوله : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ) جائز أن يكون معناه : ابتداء النجوى في الشر من الشيطان ، وهو ما ذكر في بعض القصة أن الله ـ تعالى ـ لما خلق آدم ـ عليهالسلام ـ قال إبليس للملائكة : أرأيتم إن فضل هو عليكم ما تصنعون؟ فأجابوه بما أجابوا ؛ فقال هو : إن فضلت عليه لأهلكنه ، وإن فضل هو على لأعاديه ، فقد ناجاهم في أمر آدم ـ عليهالسلام ـ بالشر ، فكان أول النجوى في الشر من الشيطان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا).
لو لا أن الشيطان في حال الحزن يكون أملك على إفسادهم وإخراجهم من أمر الله ـ تعالى ـ وإدخالهم في نهيه ؛ وإلا لم يكن لقوله : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) معنى ؛ فدل أنه ـ لعنه الله ـ في حال الحزن والغضب أملك وأقدر من حال السرور والسعة ، لكنه بما يدعوه إلى اللذات ويمنيه أشياء كان قصده من ذلك أن يوقعه في الضيق والشدة لما هو عليه أقدر في تلك الحال ؛ ولذلك قال لآدم وحواء ـ عليهماالسلام ـ : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠] تلقاهم بالغرور بالذي ذكر ، ومناهم ما ذكر ، وكان قصده من ذلك إبداء عورتهما وإيقاعهما في الضيق والبلاء ؛ حيث قال : (فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما ...) الآية [طه : ١٢١] ، مكن الله ـ تعالى ـ إبليس من الشر بالذي ذكرنا ، ولم يمكن له من إفساد الطعام واللباس والأشربة ونحو ذلك ، وهو دون الأول ، وذلك أكثر ، لكن هذا في الضرر الدنياوي أكثر ؛ فلم يمكنه من إفساد هذه الأشياء تفضلا منه وإحسانا عليهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
أي : ليسوا بضارين لهم فيما يتناجون من الكيد بهم والمكر ، والله أعلم.
ثم قال : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
أي : في دفع من قصدهم من الكيد بهم والمكر والهلاك ، وعليه يتوكلون في النصر لهم والمعونة على أعدائهم ، والتوفيق لهم في كل خير ، وكل هذا وصف المؤمنين وأما المعتزلة ، فهم بمعزل عن هذه الآية ، وكذلك : المؤمنون على قولهم غير متوكلين على