ويحتمل أن يكون قولهم : (لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) إنما قالوا ذلك عند رد رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليهم بما حيوه حين قال : «وعليكم» يقولون : إنه دعا علينا بقوله : «وعليكم» ، فإن كان رسولا لأجيب دعاؤه الذي دعا علينا ، لكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يدع عليهم ؛ إنما رد قولهم عليهم ردّا ، والله أعلم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى).
إن أهل التأويل صرفوا الآية إلى المنافقين ، وعندنا يحتمل صرف النهي إلى المؤمنين عن التناجي بمثل ما تناجوا أولئك ، أي : لا تتناجوا أنتم يأهل الإيمان فيهم بالإثم والعدوان كما تناجوا فيكم ، يقول : لا تجازوهم بالذي فعلوا هم بكم ، ولكن تناجوا فيهم بالبر والتقوى ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) [المائدة : ٢] : نهى المؤمنين أن يجاوزهم جزاء الاعتداء الذي كان منهم من صدهم عن المسجد الحرام ؛ بل أمرهم [بالتعاون] على البر والتقوى ، قال : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) [المائدة : ٢] ، فعلى ذلك يحتمل هذا ، والله أعلم.
وجائز أن يكون في المؤمنين حقيقة على الابتداء ؛ نهيا منه لهم ، يقول : إذا تناجيتم فلا تتناجوا فيما يؤثمكم ويحملكم على العدوان : على المجاوزة عن الحد ، ومعصية الرسول فيما يأمركم وينهاكم ، (وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) : يحتمل كل أنواع الخير ، وأما التقوى فهو كل ما يقون به أنفسهم عن النار ، وقد تقدم ذكره.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
جائز أن يكون هذا الخطاب لهم ـ أعني : المؤمنين والكافرين الذين يقرون بالحشر ـ