فقال ـ عليهالسلام ـ : «ما أراك إلا وقد حرمت عليه» (١) ، قالت : يا رسول الله ، لا تقل ذاك ؛ ما ذكر طلاقا ، ولم يرد عليها اعتقادها في أن الظهار طلاق ، وكذلك ما روي في رواية أخرى في حديث طويل : جعلني عليه كظهر أمه ، ثم تركني إلى غير شيء ، فهل من شيء يجمعني وإياه يا رسول الله؟ فقال ـ عليهالسلام ـ : «أطلقك؟» قالت : لا ، قال : «ما أمرت في شأنك من شيء» ، ولو كان الظهار طلاقا بعد الإسلام قبل نزول هذه الآية لما قال : «أطلقك؟» بعد ما قالت : «جعلني عليه كظهر أمه» ، ولما قال : «ما أمرت في شأنك من شيء» ، وحكم شريعته أنه طلاق مزيل للملك ، دل هذا يقرر ما قلنا إنه ذكر في حديث خولة وأوس أنه أول من ظاهر في الإسلام فكيف يكون طلاقا؟!
فإن قيل : أليس صلىاللهعليهوسلم قال : «ما أراك إلا وقد حرمت عليه» ، والحرمة التي لا ترفع النكاح بالظهار إنما ثبتت بعد نزول الآية ، والآية نزلت بعد صدور القول من أوس بن الصامت ؛ فدل أن مراده تحريم الطلاق ، فهذا يدل على أن هذا الحكم كان ثابتا في شريعته قبل نزول آية الظهار بوحي غير متلو وإن كان قبل ذلك في حكم الجاهلية ، فكذلك ذلك الزوج قال للمرأة ـ أيضا ـ : «ما أراك إلا وقد حرمت علي» ؛ دل هذا على أنه كان طلاقا قبل نزول الآية.
[قلنا] : هذا حجة عليكم ؛ فإنه لو كان المراد بقوله ـ عليهالسلام ـ : «ما أراك إلا وقد حرمت عليه» إثباتا للحرمة فيها بالظهار ؛ لكونه طلاقا ، فكيف يحكم عليها بالحرمة بالظهار بعد حكمه بالطلاق بذلك القول بعينه في شخص بعينه ، وقد صح في الحديث أن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا أوسا وامرأته بالكفارة ، وأبقى النكاح بينهما (٢) لو كان ذلك طلاقا؟! والمثبت حكمه إنما ينسخ بالآية الثانية إلى حكم آخر ، فظهر ذلك في المستقبل لا في الماضي ؛ فدل أن هذا حجة عليه ، ولكن إنما قال : «ما أراك إلا وقد حرمت عليه ؛» للوجهين اللذين ذكرناهما ، والله أعلم.
فإن قيل : إن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يحكم بالطلاق في حقها ، مع أن الظهار كان طلاقا بطريق القطع ، بل قال : «ما أراك إلا وقد حرمت عليه» على طريق الظن ؛ لأنه جائز أن يكون الله تعالى قد أعلمه أنه سينسخ حكم هذا القول وينقله من الطلاق إلى تحريم المتعة ، فلم يقطع القول فيه حتى نزلت الآية.
__________________
(١) أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس ، وعبد بن حميد وابن مردويه ، والبيهقي في السنن عن أبي العالية مرسلا ، كما في الدر المنثور (٦ / ٢٦٤ ، ٢٦٧).
(٢) تقدم.