قيل : لو كان ذلك حكما ثابتا مقررا في شريعته ، لم يمتنع النبي صلىاللهعليهوسلم عن العمل به ، وحكمه بذلك ما لم ينزل عليه الناسخ وإن أعلم أنه سينسخ ؛ لأنه يجب عليه العمل بما أنزل عليه ؛ لقوله : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) [المائدة : ٤٩] وقوله : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [المائدة : ٦٧] ، وإذا ورد الناسخ بخلافه يكون عمله في المستقبل لا فيما مضى ، وإنما يستقيم هذا على ما قلنا : إن الظهار قبل نزول الآية لا حكم له في الإسلام ، وكان تحريما في الجاهلية ؛ فمتى وجد هذا السبب ، ووقعت هذه الحادثة ، أمرها بالاجتناب عن الزوج ؛ احتياطا حتى نزلت الآية ؛ فيظهر أن حكمه ما هو؟ من حين وجوده ؛ إذ يجوز أن يريد الله تعالى بهذا هذا الحكم ، وإن كان لا علم للمباشر به ؛ إذا كان بحيث يمكنه الوصول إلى العلم به عند الحاجة إلى العمل به ، والحكم كالنص الذي ورد مجملا في إيجاب حكم ، ثم ورد البيان متأخرا ، والنص العام الذي يتأخر بيانه على خلاف ظاهره ؛ فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) ، أي : سمع قولها ومجادلتها في زوجها ، ومجادلتها مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سؤالها إياه عما ابتليت بقول زوجها لها : «أنت علي كظهر أمي».
[و] المجادلة هي المخاصمة ، وهي المحاورة ، وكان مجادلتها في زوجها أن قالت : «والله ما ذكرت طلاقا» ، حين قال لها بعد ما قال لها : «إن خرجت من الدار ، فأنت علي كظهر أمي» ، وخرجت ـ : «ما أراك إلا وقد حرمت علي».
وأما مجادلتها مع النبي ـ عليهالسلام ـ ومحاورتها هي قولها : «لا تقل ذلك» ، وقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما أراك إلا وقد حرمت عليه» ، فهذه محاورتهما.
ومن الناس من يقول : المحاورة : هي المراجعة في الكلام ، وهما يرددان الكلام ويراجعانه ويكررانه ، وهو ما ذكر أن النبي ـ عليهالسلام ـ يكرر قوله : «ما أراك إلا وقد حرمت عليه» ، وهي تردد وتكرر قولها : «لا تقل ذلك يا رسول الله ؛ فإنه ما ذكر طلاقا» ، ولكن هذا قريب من الأول.
وقال بعض أهل اللغة : (تَحاوُرَكُما) ، أي : كلامكما ، والتحاور : الكلام بين اثنين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) قيل فيه بوجهين :
أحدهما : أن تشتكي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لكن الله تعالى أضاف إلى نفسه ؛ لأن مرادها أن تنزل آية من الله تعالى على رسوله بالفرج عنها.
والثاني : أن شكواها إلى الله تعالى وتضرعها قد كان حيث لم تجد الفرج والمخرج فيما قال لها رسول الله عليه الصلاة والسلام : «ما أراك إلا وقد حرمت عليه» ، فاشتكت