وتأويل قوله : «وكان به لمم» ، أي : فضل غضب وشدة ؛ فكأنه لم يكن به حلم ، ثم اختلفت الروايات في شأنها وشأن زوجها :
منهم من روى ـ وهو محمد بن كعب ـ : أنها أتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالت : إن أوسا أبو ولدي ، وابن عمي ، وأحب الناس إلي ، وقال كليمة ؛ والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقا ، قال : أنت علي كظهر أمي. فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما أراك إلا وقد حرمت عليه» قالت : يا رسول الله ، لا تقل ذاك ما ذكر طلاقا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما أراك إلا وقد حرمت عليه» ، وكررت المرأة ذلك ، ويرد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم قالت : «اللهم إني أشكو إليك شدة وجدي به ، وما يشق علي من فراقه ، اللهم أنزل على نبيك ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ ...) إلى قوله : (فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً)(١).
وفي بعض الأخبار رواها الكلبي : أنها أتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله ، إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني يوم تزوجني وأنا شابة ، ذات أهل كثير ومال كثير ، فأكل شبابي حتى إذا كبرت عنده سني ، وذهب أهلي ، وتفرق مالي ، وضعفت ـ جعلني عليه كظهر أمه ، ثم تركني إلى غير شيء ، وقد ندم وندمت ؛ فهل من شيء يجمعني وإياه يا رسول الله؟! فقال ـ عليهالسلام ـ : «أطلقك؟» قالت : لا ، قال : «ما أمرت في شأنك من شيء ، فإن نزل علي في شأنك شيء أبينه لك» ، فرفعت يديها إلى السماء تدعوه وتتضرع إليه أن ينزل إليه بيان أمرهما ، ثم خرجت من عنده ، وأتت زوجها ، فنزل جبريل ـ عليهالسلام ـ بهذه الآية (٢).
وروي في بعض الأخبار أنها أتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وإني شابة ذات مال وأهل ، حتى إذا أكل مالي ، وأفنى شبابي ، وكبرت سني ، ورق عظمي ، وباد أهلي ـ جعلني عليه كظهر أمه ، ولي منه صبيان إن أنا وكلتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلى نفسي جاعوا ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اغربي فلعلك الظالمة لزوجك» ، فقالت : يا أمين الله في أرضه ، إنه لظالم لي ، فقال : «اذهبي ؛ فإن فيكن الضعف والعجز» قال : فجعلت تجادله ، فلما رأت أنه لا يرفع بها رأسا ، ولا تجد عنده مخرجا ، خرجت فرفعت طرفها إلى السماء تشكو إلى الله صنع زوجها بها ، وقالت : «اللهم إني أتيت [أمينك في] أرضك ، فلم يرفع لي رأسا ، فتول اليوم حاجتي ، وارحم ضعفي وقلة حيلتي» ، فلم تصل منزلها حتى هبط جبريل ـ عليهالسلام ـ بالوحي : (قَدْ
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٧٧١٩).
(٢) ذكره البغوي في تفسيره (٤ / ٣٠٤) بنحوه.