المشي كناية عن الأمور ، والنور كناية عن البصر ، والله أعلم ، وهو كقوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) [الأنعام : ١٢٢] أي : لا سواء ، وهو كناية عما ذكرنا ليس بتصريح.
والثاني : على حقيقة إرادة المشي ، وحقيقة النور ، وذلك يكون في الآخرة ، كقوله : (يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا ...) الآية [التحريم : ٨].
وقال أهل التأويل : النور هاهنا القرآن ، أي : أعطاكم قرآنا يفضي بكم إلى سبيل الخير ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) الغفران من الستر ، كأنه يقول : يستر عليكم مساويكم بينكم ؛ لأن ذكر المساوي ينقصهم النعم ، ويحملهم على الحياء من ربهم.
وقوله : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، أي : يرحمهم ، ويخلدهم في جنته.
وقوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) أجمع أهل التأويل واللغة أن حرف «لا» زيادة هاهنا وصلة ، أي : ليعلم أهل الكتاب ، وقد يزاد في الكلام حرف «لا» ويسقط بحق الصلة ، يعرف ذلك أهل الحكمة والفقه ؛ كقوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] ليس يبين لنا أن نضل ، ولكن يبين لنا لنعلم ونهتدي ، فعرف الحكماء والفقهاء أن كلمة «لا» أسقطت هاهنا ؛ فعلى ذلك عرفوا أن حرف «لا» هاهنا في قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ) زيادة ، معناه : ليعلم أهل الكتاب : أن لا يقدرون على شيء من فضل الله.
ثم لا يحتمل أن يكون ذكر قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) على غير تقدم قول كان منهم حتى خرج هذا جوابا لهم عن ذلك ؛ ولكن يذكر شيئا يشبه أن يكون الذي ذكر هو جواب ذلك الذي كان منهم ، وهو أنهم كانوا أهل كتاب وأهل علم بالكتاب ، يرون لأنفسهم فضلا على غيرهم وخصوصية ليست لغيرهم عندهم ، فلما بعث الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوسلم رسولا إليهم وإلى الناس كافة ، وأنزل عليه كتابا ، وهو أمين عندهم ، وذكر في كتابه ما كان في كتبهم ، وأمرهم باتباعه والانقياد له والطاعة ، وأحوجهم جميعا إليه وإلى ما في كتابه ، أنكروا فضل الله عليه وإحسانه إليه ، فعند ذلك قال : (يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ، أي : يفضل من شاء على من يشاء ، ليس ذلك إليهم.
ثم [في] قوله تعالى : (يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) دلالة نقض قول المعتزلة في أن الله تعالى قد أعطى كل شيء ما يقدر على الوصول إلى جميع فضائله وإحسانه ، وقد أخبر (يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) ، والمعتزلة