بالرسل جملة ، آمنوا بهذا الرسول المشار إليه ؛ لما يصعب الأمر ، ولما يلزم في ذلك معاداة من خالفه وترك اتباعه وإن كان أقرب الخلائق إليه ، وكذلك عامل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أقاربهم وأرحامهم لما آمنوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم وصار عندهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحب إليهم من أنفسهم وآبائهم وأولادهم ، وعادوا جميع أقاربهم الذين خالفوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتركوا اتباعه ، وفي ذلك آية عظيمة ؛ ولذلك فضل إيمان من آمن في أول خروجه عن إيمان من تأخر منهم عن ذلك الوقت ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) : قوله : (يُؤْتِكُمْ) ، أي : يوجب لكم (كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) أي : أجرين : أجر الإيمان بالرسل كلهم على الإجمال ، وأجر الإيمان بالرسل على الإشارة والتفصيل ؛ ذكر هاهنا (كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) ، وقال في آية أخرى : (يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) [القصص : ٥٤] يحتمل قوله : (كِفْلَيْنِ) : مرتين وقوله : (مَرَّتَيْنِ) [القصص : ٥٤] : كفلين ؛ فيكون أحدهما تفسيرا للآخر.
ثم ذكر هاهنا الأجر لهم من رحمته ، وذكر هنالك الأجر مطلقا ؛ ليعلم أن ما ذكر لأعمالهم من الأجر إنما هو فضل منه ورحمة لا استحقاق على ما ذكرنا ، والله الموفق.
ثم يحتمل ما ذكر من الأجر مرتين يكون مرة في الدنيا ، والأخرى في الآخرة كقوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) الآية [النحل : ٣٠] ، وقوله : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) [البقرة : ٢٠١] ، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون ما ذكر من الأجر مرتين يكون وعدا في الآخرة ، ويكون قوله : (مَرَّتَيْنِ) أي : كفلين ، أي : ضعفين ، كقوله : (يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد : ١١]. ثم قوله : (كِفْلَيْنِ) قال أكثر أهل التأويل (١) : أي : أجرين.
وقال بعضهم (٢) : حظين ، ونصيبين.
وجائز أن يكون سماه : كفلا ؛ لأنه كفله ؛ ألا ترى أن ذا الكفل ذكر إنما سمي به ؛ لأنه كان يكفل لفلان ، فعلى ذلك جائز تسميته هذا كفلا ؛ لأنه يكفل به ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : النور كناية عما يبصر به ويتضح ، والمشي كناية عن الأمور ، يقول ـ والله أعلم ـ : يجعل ما تبصرون به السبيل ، ويتضح لكم الأمور ، ويزول عنكم الشبه ؛ فيكون
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٣٣٦٨٥) ، (٣٣٦٨٧) وعبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٢٦٠) وهو قول الضحاك أيضا.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٢٦١) ، وانظر : تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص (٤٥٥).