أولئك الملوك ، والله أعلم.
قال القتبي : (وَرَهْبانِيَّةً) : أي : العبادة ، يعني : الخوف.
و (ابْتَدَعُوها) الابتداع أن تفعل شيئا لم يفعل قبلك ، يقال منه : أبدعت ، وابتدعت ، وبدعت أيضا.
وقيل : الرهبانية اسم مبني من الرهبة ، لما فرط فيه وقد نهى الله عنه بقوله : (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) [النساء : ١٧١] ويقال : دين الله بين المقصر والغالي.
وقوله : (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) ، أي : ما أمرناهم بها ، والله أعلم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(٢٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) يقول بعض أهل التأويل : يا أيها الذين آمنوا بعيسى بن مريم آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم.
ولكن هذا ضعيف ؛ لأن الإيمان برسول من الرسل إيمان بجميع الرسل عليهمالسلام.
وتأويل الآية : يا أيها الذين آمنوا بالرسل جملة على غير الإشارة والتفسير ، آمنوا برسول الله محمد صلىاللهعليهوسلم على الإشارة به ؛ لأن الإيمان بالرسل على غير الإشارة أمر سهل وإنما يصعب الإيمان به ويشتد بالإشارة إلى واحد ؛ لأنه لما آمن بالمشار إليه ، لزمه اتباع أمره ، ونهيه ، ولزمه موالاة من والاه واتبعه ، ويلزمه معاداة من عاداه وخالفه في أمره ونهيه وترك اتباعه ، وإن كان له أبناء وآباء ، وذو إحسان ، يجب أن يكون أحب الناس إليه وأقرب وأبر ، فهذه معاملة الرسول الذي آمن به على الإشارة إليه وأنها تشتد في الطلب. وأما عند الإجمال والإرسال فأمر سهل إنما فيه تصديق كل صادق وتكذيب كل كاذب ، وكل الناس قد اعتقدوا أصل تصديق الصادق وتكذيب الكاذب ، وليس في الإجمال والإرسال ، إلا ذلك ، وأما عند التعيين يوجد الامتحان ، وبه يظهر نفاق المنافقين وتحقيق المؤمنين المحققين ، وذلك قوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ. وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) [محمد : ٢٩ ، ٣٠] ، ظهر نفاقهم بما أمروا بالجهاد والخروج معه على الإشارة ، وكقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [التوبة : ٧٥ ، ٧٦] ، وقد وعدوا في الجملة أنه لو أعطاهم كذا من فضله لنصدقن ، فلما أوتوا ذلك وأمروا بإخراجه أبوا إخراج ذلك عند الإشارة إليه ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون تأويله : يا أيها الذين آمنوا