بالحديد ؛ فصار مخصوصا في حق المحنة وغيرها من المنافع ، حتى لا يلتئم أمر من أمور المعاش إلا به ؛ فلذلك خص ، والله أعلم.
وقال أهل التأويل : أنزل من السماء المطرقة والفلاة والكلبتين.
وعندنا ليس على حقيقة الإنزال من السماء كذلك.
ومعنى قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) ، أي : خلقنا ؛ كقوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : ٦] ، أي : خلقها ، وقوله تعالى : (أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) [الأعراف : ٢٦] ومعلوم أنه لم ينزل اللباس على ما هو عليه ؛ ولكن معناه : خلقه لباسا لهم ؛ كذلك هذا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ) يحتمل (مَنْ يَنْصُرُهُ) أي : دينه أو أراد بإضافة النصر إلى نفسه نصر رسوله محمد وسائر رسله عليهم الصلاة والسلام.
ثم نصر الرسل مرة يكون بتبليغ ما أمروا إلى قومهم ، ينصرونهم ، ويعينونهم على ذلك ، ونصر دينه إظهاره في الخلق والذب عن أهله والمعونة لهم ؛ هذا يحتمل ، وعلى هذا يخرج قوله تعالى : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد : ٧] ، والله أعلم.
وجائز أن يكون المراد من إضافة النصر إليه نصر أنفسهم ودينهم ، إذ هم المنتفعون بذلك ، ولهم يحصل ذلك النفع وتلك المعونة ، لكنه بفضله وكرمه ، سمى ذلك : نصره ، وأضافه إلى نفسه ، على ما جعل لأعمالهم التي يعملونها لأنفسهم ثوابا ، وذكر لهم على ذلك أجرا ، كأنهم عاملون له ، وهم المنتفعون بها ، المحتاجون إليها ، فعلى ذلك جائز أن يكون ما عملوا لأنفسهم سماه : نصرا له وإن كان ذلك النصر لهم ، وأنه ناصر الكل ؛ حيث قال : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) [آل عمران : ١٦٠] ، أخبر أنه إذا نصرهم لا غالب لهم سواه ، وإذا خذلهم لا ناصر لهم دونه ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ) يخرج على وجهين :
أحدهما : ليعلم من قد علم أنه ينصر : ناصرا وليعلم من قد علم بالغيب أنه يكون كائنا شاهدا ، والتغيير على المعلوم لا على العلم.
والثاني : يريد بالعلم المعلوم ، وذلك جائز في اللغة ، ذكر العلم والفعل على إرادة المعلوم والمفعول ؛ نحو ما يقال : الصلاة أمر الله ، أي : بأمر الله ؛ لأن الصلاة لا تكون أمره.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ذكر هذا ؛ ليعلم أنه لم يأمر فيما أمرهم من القتال والنصر لحاجة نفسه ، ولا استعملهم فيما استعمل من النصر والمعونة لنفسه ، ولا