الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [النساء : ١١٣] ؛ فيكون الكتاب ما يحفظ حدود الأفعال والأقوال ، وتكون الحكمة ما يقوم الناس بها بالقسط.
أو أن تكون الحكمة ما أودع في الكتاب من المعاني.
وقال الحسن في قوله : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [آل عمران : ٤٨] : إنهما واحد.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) يخرج على وجهين :
أحدهما : أنزل ما ذكر من الكتاب والميزان ؛ ليلزم الناس القيام بالعدل ، وقد ألزمهم ذلك بما أنزل عليهم من الكتاب والميزان وبين الحدود.
والثاني : أنزل ما ذكر ؛ ليقوم الناس بالقسط ؛ على وجود القيام بالعدل.
فإن كان المراد منه الوجود فهو راجع إلى خاص من الناس ، وإن كان على الإلزام فهو راجع إلى الكل وهو كقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] ، فإن كان على وجود العبادة فهو يرجع إلى خاص من الناس ، وإن كان المراد بقوله : (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ، أي : لأمرهم وإلزامهم فهو للكل ؛ فإنه قد خلقهم ليأمرهم ويلزمهم ، وقد أمرهم وألزمهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ، خص الله تعالى ذكر الحديد بما جعل فيه من البأس من بين غيره من الأشياء ، وإن كان يشاركه غيره في احتمال الأذى والضرر به مما يطعن به فينفذ ويضرب به ، ويستعمل في الحروب والقتال ؛ [لأمرين :]
أحدهما : أنه هو الكامل في الظفر والنفاذ والجرح ، وإن كان قد يتحقق من غيره ؛ ولذلك اعتاده الناس آلة القتال والحرب ؛ فيكون البأس فيه أشد.
والثاني : لما يتحصن به باتخاذ الدرع ؛ لقوله : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) [الأنبياء : ٨٠] ؛ لهذا اختص الحديد ، والله أعلم.
وقوله : (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) جعل الله تعالى في الحديد منافع ليست تلك في غيره ، وهو ما يتخذ منه ما يحرز به ويخاط من الخفاف وغيره ، مما لا يحتمل هذا النوع لغيره ، وكذلك حوائج الخلق لا تقوم في سائر أنواع الحرف والأعمال من التجارة والزراعة والبناء وغيرها [إلا به].
وفيه خصوصية في حق المحن ، وهو ما يظهر عند فرض القتال صدق إيمان المحقق ونفاق المرتاب ؛ بقوله : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) [النساء : ٧٧] ، ونحو ذلك ، فظهر الصادق من الكاذب في الحروب ، وإنما ذلك