وبلاء أو تشغله عن أداء ما عليه إن كان ذلك سبب استدراجه وبلائه ، فأخذ منه.
أو لما يصل بذهابه إلى أداء الفرائض من العبادات ، وكان ذلك يمنعه.
ويحزن من وجهين أيضا :
أحدهما : لما لعل قوته يحوجه إلى ما في أيدي الناس ، وكان غنيا عنهم.
أو لما لعل ذلك عقوبة لتفريط كان منه ؛ كقوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] ، والله أعلم.
ثم أضاف ما نالوا من النعم إلى نفسه حيث قال : (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) ، ولم يضف ما فاتهم إلى نفسه ، وهو كما قال في آية أخرى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء : ٧٩] ، وهو ما ذكرنا أنه جائز أن يكون ما يفوتهم من النعم باكتساب وسبب كان منهم ، والله أعلم.
قوله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)(٢٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أي : أرسلنا بما يبين ويوضح أنهم رسل الله ، وأن تلك الآيات التي أتوا بها من عند الله لا باختراع من عندهم ؛ لما هي خارجة عن وسع البشر.
والثاني : ما يبين صدق الرسل في خبرهم ، وعدلهم في حكمهم ، أو يبين ما لهم وما عليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) ، وقال في آية أخرى : (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) [الشورى : ١٧] ، ثم يحتمل (وَالْمِيزانَ) : الموازين المعروفة التي بها تستوفى الحقوق فيما بين الناس ، وبها يوفّى وبها تحفظ حقوق الأموال التي بينهم وحدودها.
فإن كان المراد هذا فكأنه قال : وأنزلنا معهم الكتاب الذي به يحفظ الدين وحدوده ، والميزان الذي به يحفظ حدود الأموال ، لا يزاد على الحق ، ولا ينقص منه ، والله أعلم.
وجائز أن يكون المراد بالميزان : الحكمة ؛ إذ ذكره على إثر الكتاب ؛ كقوله : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [آل عمران : ٤٨] ؛ كأنه يقول ـ والله أعلم ـ : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ