كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ. الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) [غافر : ٦ ، ٧] كأن قوله تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) مفصول من الأول ، وكذلك هذا.
ثم قوله : (يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) يحتمل ما ذكر من بخلهم في آية أخرى ، فقال : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) [يس : ٤٧] بخلوا بالإنفاق على المؤمنين ، أو بخلوا بالإنفاق على أتباعهم ؛ ليبقى الكرم والرئاسة عليهم.
وجائز أن يكون ما ذكره بعض أهل التأويل أن ذلك نزل في الرؤساء من أهل الكتاب ؛ بخلوا ببيان صفة محمد صلىاللهعليهوسلم التي كانت في كتبهم ، وأمروا أمثالهم وأشكالهم بكتمان ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) ، أي : ومن يعرض عن ذلك فالله هو الغني الحميد ؛ الغني عن عبادتكم وعما دعاكم إليه ؛ إذ لم يدعكم إلى ما دعاكم لحاجة نفسه ؛ إذ هو الغني بذاته ، الحميد بفعاله ؛ أي : بما علم منكم من الرد لرسالته لا يخرج فعله من أن يكون محمودا ، ولا يصير لفعله إلى أعدائه بما صنع غير حميد ، والله أعلم.
ثم في قوله : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) وجوه أيضا :
أحدها : أن المصائب ربما تجري على أيدي الناس وتصيبهم منهم ، فقال : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) ما جرى ذلك على أيدي الناس ؛ لأنه لا يزول منهم ؛ فيحملهم ذلك على العداوة والبغضاء ، ولكن يرون ذلك مكتوبا عليهم من الله تعالى ، وكذلك ما ذكر فيما يؤتيهم من النعم على أيدي الخلق ، فلا يزال ذلك منهم ؛ فيشغلهم عن القيام بشكر الرب ـ جل وعلا ـ ولكن يرونه من فضل الله تعالى ومنه فيشكرونه.
والثاني : يحتمل : أن يكون النهي عن الحزن أمرا بالفرح ؛ أي : لا تأسوا على ما فاتكم ، ولكن افرحوا بالعمل الذي يأتيكم ؛ فإنهم لو لم يفتهم لكان يشغلهم عن القيام بحقوق الله تعالى وأداء ما عليهم من الفرائض ، والله أعلم. وفي قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَفْرَحُوا) أمر بالحزن ، وقد يذكر الشيء ويراد به إثبات ضده ؛ كقوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦] ، أي : خسرت تجارتهم ، وينبغي أن تتلقى نعم الله تعالى على وجهين :
أحدهما : بحسن القبول لها والتعظيم والشكر للمنعم ؛ إذ أغناه بذلك عن النظر لما في أيدي الناس ورفع الحاجة ، وذلك من أعظم [النعم].
والثاني : يخاف ؛ لما لعله فعل ذلك به استدراجا وامتحانا ؛ إذ الأموال ربما تكون فتنة