آتاكم عن الشكر حتى تفوتكم الزيادة على ذلك ؛ لأن الله تعالى وعد الزيادة على النعمة إذا شكر بقوله : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم : ٧] ، والله أعلم.
والثالث : يقول : لا تأسوا على ما فاتكم ، ولكن انظروا إلى ما كان منكم من الجريمة حتى فاتكم ذلك ؛ حيث قال : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] يقول : لا تأسوا على ما فاتكم ، ولكن انظروا إلى تفريطكم في جنب الله ، وارجعوا عن ذلك ؛ وكذلك يقول : لا تفرحوا بما آتاكم ، ولكن انظروا إلى إحسان الله الذي كان إليكم ، والله أعلم.
ويحتمل : أن يقول : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) ، ولكن انظروا إلى ما امتحنكم به وابتلاكم ؛ إذ هو امتحن بعضا بالشدائد والبلايا ، وأمرهم بالصبر على ذلك ، وبعضا بالسعة والرخاء ، وأمرهم بالشكر على ذلك ، فاصبروا ولا تجزعوا إن فاتكم النعم وأصابتكم المصائب ، واشكروا له ، ولا تفرحوا عند النعم فرحا يكون بطرا وأشرا.
أو يقول : لا تأسوا على ما فاتكم ؛ فإن الذي أخذ من النعم لم يكن في الحقيقة لكم ، إنما هو لغيركم ، ومن كان عنده مال لآخر فأخذه لا يجب أن يحزن على ذلك ، ولا تفرحوا بما آتاكم ، فإن النعم التي آتاكم يجوز أن تكون لغيركم لا لكم ، والله أعلم.
وقوله : (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) قرئ ممدودا ومقصورا ، فمن مده ، رد الفعل إلى الله تعالى ، ومن قصره جعل الفعل لذلك الشيء ؛ لموافقة قوله : (عَلى ما فاتَكُمْ) ، ولم يقل : أفاتكم.
وقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) ، ولكن يحب ضد ذلك وخلاف المختال المتكبر ، فيحب المتواضع الخاضع.
والفخور هو الذي يفتخر بما أنعم الله عليه على الناس ، فيحب الذي يشكره على نعمه بالتوسيع على عباده.
وجائز أن يكون هذا كله وصف الكفار ؛ كأنه يقول : لا يحب كل كفار ؛ كقوله : (صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم : ٥] ، أي : يحب المؤمن ؛ لأن المؤمن يكون صبارا على المصائب ، شكورا لنعمائه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) جائز أن يكون هذا صلة قوله : (لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) تفسيرا له.
وجائز أن يكون على الابتداء ، وهو كقوله : (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ