طلب الدنيا للدنيا مذمومان ، والذي طلبها لنفسه زادا للآخرة والذي زهد فيها محمودان ، والله أعلم.
وعلى ذلك يخرج «إن حب الدنيا رأس كل خطيئة» (١) : أن من أحبها لغيره ولغير الذي جعلت له تكون رأس كل خطيئة ، ومن أحبها لنفسه ، واتخذها زادا للآخرة ، فهي رأس كل حسنة وطاعة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) يقول : اجعلوا المسابقة فيما بينكم في مغفرة ربكم إلى الجنة ، لا إلى جمع الأموال والأولاد ، وكان أهل الكفر جعلوا المسابقة في الدنيا في جمع الأموال والتفاخر والتكاثر بها ، فيقول لأهل الإيمان : اجعلوا أنتم المسابقة في طلب مغفرة الله وجنته ، والله أعلم.
ويحتمل تسبقون آجالكم بأعمالكم التي توجب لكم المغفرة والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ...) الآية ، ذكر سعة الجنة ؛ لأن العرض إنما يذكر لسعة تكون للشيء ، وقد ذكر سعتها فيها ؛ حيث قال : (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) [الواقعة : ٣٢ ، ٣٣] وقال ـ تعالى ـ : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) [الزخرف : ٧١] ، ونحو ذلك ؛ ذكر ما فيها من السعة وسعتها ، والله أعلم.
ثم ذكر عرضها كعرض السماء والأرض ، وهو يخرج على التحديد والتقدير : أن عرضها مثل عرض السموات والأرض ، لكن لما لا شيء أوسع في أوهام الخلق مما ذكر ، وهو كقوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [هود : ١٠٧] ، ذكر دوامهما ؛ [لما] لا شيء أبقى وأدوم منهما في الأذهان ، وإلا كانتا تفنيان.
ويحتمل أن يقول : (عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ، أي : تصير السموات والأرض جميعا جنة لهم.
ثم وصف الجنة بالسعة ، ووصف النار بالضيق ، حيث قال : (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان : ١٣] ، وذلك أنه ليس في فضل النار على قدر المجعول الذي يصل إلى المعذب بها فائدة [فلذلك] ، تضيقت ، ولفضل الجنة على قدر الحاجة لذة وسرور ومنفعة ؛ فوسعت لذلك ، والله أعلم.
ثم أخبر أنها أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله ، والإيمان بالله ـ تعالى ـ : هو أن يصدق
__________________
(١) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (١ / ٤١٢) وقال : رواه البيهقي في الشعب بإسناد حسن إلى الحسن البصري رفعه مرسلا ، وذكره الديلمي في الفردوس وتبعه ولده بلا سند عن علي رفعه ، وقال ابن الغرس : الحديث ضعيف ورواه البيهقي أيضا في الزهد وأبو نعيم من قول عيسى بن مريم.