كل شيء يشهد على وحدانيته وألوهيته ، والإيمان برسله : هو أن يصدقهم فيما أخبروا عن الله تعالى ، وكل صاحب كبيرة مصدق بالذي ذكرنا ، فهو مؤمن ؛ وذلك على المعتزلة ؛ لقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ؛ دلت الآية [على] أن ما يعطي من الثواب لعبيده فضل منه وإن سماه : جزاء ، وأجرا ؛ لأنه قد سبق منه إليهم من الإحسان والنعم ما يصير تلك الأفعال ـ وإن كثرت ـ شكرا لأدنى نعمه ، وإن طال عمره ، فأنى يستوجب الشكر والثواب على تلك الأعمال ثوابا وجزاء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) ، أي : ذكرها في كتاب ، كان ذلك الكتاب قبل أن نبرأ المصائب ، أي : نخلقها ؛ إذ لا يحتمل كون أنفس تلك المصائب في الكتاب قبل خلقها ؛ فدل على كون ذكر المصائب فيه ، وهو كقوله : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) [الإسراء : ٦٠] ، [وليست الشجرة في القرآن] ولكن ذكرها فيه من ذلك ما روي في الخبر أنه «نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو» (١) ، أي : نهى أن يسافر بالذي كتب فيه القرآن ، وإلا لم يكن عين القرآن في ذلك المصحف ؛ فعلى ذلك ما ذكر من المصائب ، وذلك يخرج على المجاز دون الحقيقة ، والله أعلم.
ثم اختلف في قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) :
منهم من قال : من قبل أن نخلق تلك المصائب.
ومنهم من قال (٢) : من قبل أن نبرأ تلك الأنفس والأرض ؛ والأول [أصح].
وقوله : (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) يخرج على وجهين :
أي : كثرة ما يصيب الخلق في أنفسهم وأموالهم يسير على الله ، غير شديد عليه ، ليس كملوك الأرض ؛ لأن ما يصيب حشمهم وخدمهم من المصائب يشتد عليهم ؛ لما أن قوامهم بحشمهم وخدمهم ، ولهم منافع فيهم ، والله يتعالى بذاته ، ليس له في بقاء الخلق منفعة ، ولا في ذهابهم وفنائهم ضرر ، فذلك يكون عليه يسير.
والثاني : أن كتابه لم يكن بعد ولم يخلق ، وعلمه قبل كونه على الله يسير هين ، يخبر أنه عالم في الأزل بكون الأشياء في أوقاتها ، لا يصعب عليه ، ولا يشتد العلم بها قبل
__________________
(١) أخرجه البخاري (٦ / ١٣٣) كتاب الجهاد : باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو (٢٩٩٠) ، ومسلم (٣ / ١٤٩٠) كتاب الإمارة : باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار (٩٢ / ١٨٦٩) ، وابن ماجه (٤ / ٣٨٨) كتاب الجهاد : باب النهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (٢٨٧٩).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٣٦٥٧).