وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) ، قال أهل التأويل : أي : أجر حسن ، والله أعلم.
وجائز تسميته : كريما ؛ لما أن من ناله يصير كريما ، أو لما يؤمل ويرجى أن يكون لهم ذلك ، والكريم في الشاهد : هو الذي يرجى منه كل خير ويؤمل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) جائز أن يكون قوله : (يَسْعى نُورُهُمْ) أي : كتبهم التي يعطون في الآخرة ، فإنه يعطى كتاب المقربين والسابقين من أمامهم وقدامهم ، وكتاب سائر المؤمنين من أيمانهم ، وكتاب أهل الشرك من وراء ظهورهم ، يؤيده حرف حفصة ـ رضي الله عنها ـ : نورهم يسعى بين أيديهم وفي أيمنهم كقوله : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ...) الآية [الانشقاق : ٧].
وجائز أن يكون نور إيمانهم ودينهم الذي كانوا عليه في الدنيا.
وجائز أن يكون نورهم الذي ذكر كناية عن الطريق الذي يسلك فيه السابقون ، يرون ما أمامهم ، وسائر المؤمنين عن أيمانهم وما سلكوا في الدنيا ، وأهل الشرك بشمالهم ، وأهل النفاق من ورائهم.
وجائز أن يكون قوله : (وَبِأَيْمانِهِمْ) كناية عن اليمن والبركة ؛ إذ إنما بالأيمان ينال اليمن والبركات فسماها بذلك.
ويحتمل ما ذكر أهل التأويل : أنه يرفع لهم نور ، فيمشون بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) إنما يقال ذلك قبل دخول أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ؛ وهذا يدل أن النور المذكور لهم يكون قبل دخول أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار.
وقوله : (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ؛ لأنه لا هلاك بعده ولا تبعة ، ولا انقطاع لذلك.
ثم قوله : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ليس أن يراه هو خاصة لا يرى غيره ذلك ؛ بل يرى ذلك جميع المؤمنين ؛ فيبطل به قول من جعل التنصيص على الشيء دالا على التخصيص ونفي غيره.
وعن قتادة : أنه قال : ذكر لنا أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن ، وإلى صنعاء ، فدون ذلك ، حتى من المؤمنين مؤمن لا يضيء نوره إلى موضع قدميه ، وللمؤمنين منازل لأعمالهم (١).
__________________
(١) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة مرسلا بلفظ : «إن من المؤمنين يوم القيامة من يضيء له نوره كما بين المدينة إلى عدن أبين إلى صنعاء فدون ذلك ، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء له نوره إلا موضع قدمه ، والناس منازل بأعمالهم» انظر : الدر المنثور (٦ / ٢٥٠).