وقيل (١) : لا يستوي من هاجر ومن لم يهاجر ، ولا هجرة بعد فتح مكة ؛ فلذلك روي عنه صلىاللهعليهوسلم : «لا هجرة بعد اليوم ، ولكن جهاد ونية» (٢) وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) ، أي : وعد الله لكلا الفريقين : من أنفق قبل الفتح وبعده الجنة والثواب الحسن.
وقال بعض أهل التأويل : هذه الآية نزلت في فتح الحديبية ، فقيل : يا رسول الله ، فتح هو؟ قال : «نعم ، فتح عظيم» (٣).
وعن قتادة : هو فتح مكة (٤) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فيه ترغيب وترهيب فيما يرغب ويرهب عنه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) قد ذكرنا فيما تقدم : أنه ـ جل وعلا ـ عامل عباده بكرمه وجوده معاملة من لا حق له ولا ملك في أنفسهم وأموالهم ، لا معاملة من حقيقة أملاكهم وأموالهم وأنفسهم له ؛ من نحو ما ذكر من الإقراض له ، وما ذكر من شرائه أنفسهم وأموالهم منهم بأن لهم الجنة ، وما ذكر لأعمالهم من الأجر ، وهم عبيده ، وأعمالهم التي يعملون لأنفسهم ، كأنهم عاملون له ، وما يمسكون لأنفسهم ويدخرونه في وقت الحاجة لهم ، سماه : قرضا ، وما يكتسبون به للحياة الدائمة والنعم الباقية ، فهم المنتفعون بها ، ولا أحد في الشاهد يستقرض مال نفسه من آخر ببدل ثم يعطي له الأجر على ذلك ؛ هذا كله خارج عن عادة الخلق ، وطبعهم ، وصنيعهم بعضهم مع بعض ، لكن عاملهم بما يليق بكرمه وجوده [و] عد لهم بما أمسكوا لأنفسهم أضعافا مضاعفة.
ثم جائز تسميته ما يمسكون لوقت حاجتهم : قرضا ؛ لئلا يمنوا على الفقراء وأهل الحاجة بما أعطوهم منه ؛ لما عرف ـ جل وعلا ـ من طبعهم الامتنان عليهم ، أو لما يدفع عنهم مئونة حفظ ذلك إلى وقت حاجتهم من السرقة ، والغصب وغير ذلك من أنواع ما يخاف التلف منها ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وعبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٢٤٨).
(٢) أخرجه البخاري (٦ / ٣) كتاب الجهاد : باب فضل الجهاد ... (٢٧٨٣) ، ومسلم (٢ / ٩٨٦) كتاب الحج : باب تحريم مكة ... (٤٤٥ / ١٣٥٣).
(٣) تقدم.
(٤) تقدم.