الهداية إلى الله تعالى : على التوفيق وإنشاء فعل الهداية منهم ، والثاني : على الدعاء والبيان ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) جائز أن يكون معناه : وإن الله بمن خرج من الظلمات إلى النور لرءوف رحيم ، وهو يرجع إلى المؤمنين خاصة.
وجائز أيضا [أن] يوصف بالرحمة والرأفة على الكل ؛ أي : بكم لرءوف رحيم بما أرسل إليكم الرسول ، وأنزل عليكم الكتاب ، وإن كان في أنفسكم وعقولكم كفاية على معرفة وحدانية الله تعالى وربوبيته بدون إنزال الكتاب وإرسال الرسول ، لكن بفضله ورحمته أرسل الرسل ، وأنزل الكتب ؛ ليكون ذلك أدعى لهم ، وأوصل إلى إدراك ما دعوا إليه ، وأقرب في دفع الشبه والعذر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : ما قال أهل التأويل : إن الخلق يفنون كلهم ، ويبقى الله تعالى ؛ كقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) [مريم : ٤٠] فعلى هذا قوله : (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : ما لكم لا تنفقون في سبيل الله قبل أن يزول ملككم ويصير ميراثا لله تعالى.
وجائز أن يكون قوله : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إضافة وراثة بعضهم من بعض إليه ؛ لما أنهم عبيده وإماؤه ، ومال العبد يكون لسيده ؛ فيصير كأنه يقول : ما لكم ألا تنفقوا لأنفسكم ، وما يرجع إلى منافعكم ، قبل أن يصير ذلك ميراثا لغيركم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً ...) الآية.
قال بعضهم : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ) ، أي : لا يستوي منكم من آمن قبل الفتح ؛ لأن قبل الفتح كان على من آمن خوف الهلاك وأنواع العقوبات ؛ لأن الغلبة في ذلك الوقت كانت لأهل الكفر ؛ لذلك لم يستو من آمن منهم قبل الفتح ، ومن آمن منهم بعد الفتح ، وعلى ذلك يخرج ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنه قال : «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمانهم لرجح» ؛ لأن إيمانه ـ رضي الله عنه ـ في وقت الخوف على متبعي الإسلام.
أو لما يكون بإيمانه إيمان نفر كثير ؛ لأنه كان رئيسهم ، وكذلك الإنفاق في ذلك الوقت أفضل وأعظم ، لما في الإنفاق في ذلك الوقت معونة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ولمن تابعه.
أو لما أن الإنفاق من بعد الفتح يقع به طمع الوصول إلى المنافع والأبدال من الصدقات والمغانم ، وقبل الفتح ، لم يكن ذلك المعنى ، فهو لله خالص بلا بدل ولا طمع كان معه ، والله أعلم.