فإنه يقال لهم : إن قوله : لو شاء لجعله كذا ، ثم لم يفعل ذلك ، فقد ترك الأصلح لهم ، أو يكون الأصلح لهم في إبقاء ذلك ؛ فيصير كأنه قال : لو شاء لجعل ما هو حق وعدل جورا ، ولا يجوز أن يقال : إن الله تعالى لو شاء أن يجور لجار ؛ فعلى أي الوجهين حمل ، كان في ذلك نقض مذهبهم.
وفي قوله تعالى : (قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) نقض قولهم من أن المقتول لم يمت بأجله ؛ لأنه ـ تعالى ـ أخبر أنه قدر الموت بينهم ، وعندهم : أن من قتل لم يمت بما قدر الله تعالى ، ولم يمت بأجله ، وقد أخبر أنه هو قدر ذلك ، وأنه لا يسبق في ذلك بقوله : (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) ، ولو كان على ما تقوله المعتزلة يموت قبل أجله ، فقد قالوا : إنه لم يقدر له الموت ، وأن القاتل قد سبقه ومنعه عن وفاء ما جعل له من الأجل والبلوغ إلى ذلك الأجل الذي جعل له وكذبه في خبره : أنه يبلغ إلى ذلك الأجل ، والله الموفق.
ثم قوله : (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) اختلف في تأويل المزن : قال عامة أهل التأويل والأدب : المزن : هو السحاب.
وقال أبو بكر الأصم : المزن : هو الماء العذب ؛ فعلى قوله يكون حرف (من) صلة ، كأنه قال : أأنتم أنزلتم المزن.
والظاهر ما ذهب إليه أولئك : أنه ينزل من السحاب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) قال بعضهم : توقدون.
وقال بعضهم : تقدحون ، يقال : قدحت النار ، وأوريتها : أي أخرجتها ؛ يقال : ورت الناس ترى وريا ؛ فهي وارية ، أي : أضاءت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ) قيل : هي الشجرة التي تجعل حطبا ، وتوقد بها النار وتحرق.
وقيل : هي الشجرة التي فيها النار ، وهي التي يتخذ منها الزيوت ، والأول أقرب ، والله أعلم.
وقوله : (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) قال بعض أهل التأويل : أي : جعلنا هذه النار تذكرة للنار الكبرى ، وهي نار الآخرة.
ويحتمل أن يكون (نَحْنُ جَعَلْناها) ، أي : هذه النعم الحاضرة تذكرة للنعم الموعودة.
أو جعلنا هذه الشدائد والبلايا في الدنيا تذكرة لما أوعدنا في الآخرة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) قال بعض أهل التأويل : أي متاعا للمسافرين ، خص المسافرين ، لنزولهم القواء ، وهو القفر ؛ وهو قول القتبي.