ما يذكره في كل وقت ؛ لأن الرجل إذا ذهب ماله لا يزال يذكره كالمتلذذ به والمتنعم.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) ، أي : تلاومون (١).
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : فصرتم تفكهون ، وقوله : (فَظَلْتُمْ) يستعمل في زمان النهار دون الليل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي : فظلتم تقولون : إنا لمغرمون.
ثم اختلف فيه :
قيل (٢) : إنا لمعذبون بقوله : (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) [الفرقان : ٦٥].
وقيل (٣) : إنا المذمومون الملقون للشر ، ونحو ذلك ، لكنه من الغرم الظاهر ؛ لأن مرتجعه خسران في ماله ، أو هلاك يلحقه الغرامة ؛ لما يحتاج إلى غيره ، وأصله كأنه يقول ـ والله أعلم ـ : لو جعله حطاما يابسا لا تنتفعون به ، ظلتم تقولون : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ).
وقوله : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) قيل : المحروم : هو الذي ينتفى عنه المال أو ما ينتفع به.
وقال بعضهم (٤) : محدودون.
وقيل : محاربون.
لكن المحروم ظاهر ، لا يحتاج إلى التفسير ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) يذكر نعمه عليهم بما أنزل لهم من الماء العذب فيشربون ، وأخبر أنه لو شاء ، لجعله أجاجا مالحا ما يهلك الأنفس ، ولا تقوم به ، وكذلك قوله : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) حتى يخرج من أن يكون غذاء فيه ، ولكن بفضله ورحمته أبقى لهم ذلك أغذية وأشربة ؛ ولذلك قال في آخره : (فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ) [أي] : هلا تشكرون ما أنعم عليكم؟
ثم في هذه الآية دلالة نقض قول المعتزلة في أفعال العباد ؛ حيث قال : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ. أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) ، والإمناء : هو فعل العبد ؛ إذ هو دفق المني ، ثم أخبر أنه هو خالق ذلك ؛ حيث قال : (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) ، وكذلك الحراثة والزراعة فعل العباد ، وأخبر أنه خالق ذلك.
[و] في قوله تعالى : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) و (أُجاجاً) نقض قولهم في الأصلح ؛
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٣٤٩٦) ، (٣٣٤٩٧) عن عكرمة.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٣٥٠٣).
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٣٥٠٤).
(٤) قاله مجاهد ، أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٢٣٠).