وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى) ، فهو على ما ذكرنا : إنكم لما عرفتم أنه هو الذي أنشأكم النشأة الأولى لا عن أصل سبق ، لا يحتمل أن يعجز عن النشأة الآخرة ؛ لأنها مثل الأولى ؛ بل في وهمكم أسهل وأهون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) يخرج على ما ذكرنا : هلا تذكرون وحدانيته وربوبيته.
أو هلا تذكرون أن قادر على البعث.
أو هلا تذكرون أنه هو المستوجب لشكر ما أنعم عليكم ، وهلا تذكرون نعمه وإحسانه.
ومن الناس من قال : النشأة الأولى هاهنا نشأة آدم ـ عليهالسلام ـ وخلقه ؛ أي : علمتم نشأته لا عن أصل ولا احتذاء لغير ، فمن قدر على ذلك فهو على النشأة الأخرى لقادر ، وعلى تقدير وهمكم أقدر ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) جائز أن يكون هذا صلة ما تقدم من قوله : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) ، كأنه يقول : أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تخلقون الزرع أم نحن الخالقون له؟ فيكون فيه الذي ذكرنا في ذلك ، والله أعلم.
والثاني : أفرأيتم ما تحرثون أأنتم جعلتم الحراثة بحيث تنبت أم نحن الجاعلون بحيث تنبت؟
ثم قال : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) ، أي : يابسا.
وقال أبو عوسجة : أي : متكسر ؛ يذكر نعمته التي أنعمها عليهم ؛ يقول : هو الذي جعله بحيث ينتفع [به] ، ويبقى ، ولو شاء لجعله بحيث لا ينتفع به ، ويخبر عن قدرته : أنه قادر على الإنبات ، وعلى الإهلاك ؛ فعلى ذلك قادر على الإنشاء والإعادة.
وأهل التأويل يقولون : أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تنبتونه أم نحن المنبتون ، وأصله ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) قيل : تعجبون.
وقيل (١) : تندمون ، وهي لغة عكيل.
وقال أبو بكر الأصم : أي : صرتم تتنعمون وتتلذذون ؛ كما يقول الرجل لآخر : لو أخذت مالك أو سلبته صرت غنيا أو استغنيت.
ولكن لا ندري أيقال ما ذكر أم لا؟ فإن كان يقال ذلك ، يصير تقديره كأنه يتلذذ ؛ لكثرة
__________________
(١) قاله الحسن ، أخرجه ابن جرير (٣٣٤٩٨) وعبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٢٣٠) وهو قول قتادة أيضا.