وقوله ـ عزوجل ـ : (فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) يذكر أن الماءين جميعا : ما أرسل من الفوق ، وما أخرج من التحت ـ على تقدير وتدبير ، لا جزافا ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) أي : على تقدير وتدبير من الله تعالى جئت ، لا على غير تقدير منه.
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : فالتقى الماء ان على أمر قد قدر.
وقال بعضهم : (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) أي : قد قدر لهم أن يغرقوا بالماء إذ كفروا.
وقال بعضهم : (قَدْ قُدِرَ) أي : استوى الماء نصفه من عيون الأرض ، ونصفه من السماء ، وأصله ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) ، وذكر في حرف حفصة ـ رضي الله عنها ـ وحملناه وذريته على ذات ألواح ودسر ، ذكر ـ هاهنا ـ ذات ألواح ، وذكر في آية أخرى السفينة بقوله ـ تعالى ـ : (أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [يس : ٤١] ، ونحوه ؛ فيكون (ذاتِ أَلْواحٍ) تفسير السفينة ، ولو لم يفهم من (ذاتِ أَلْواحٍ) السفينة ؛ إذ ذات الألواح قد ترجع إلى الأشجار وغيرها ، لكن كان تفسير السفينة بما ذكرنا ، والله أعلم.
ثم اختلف في قوله ـ تعالى ـ : (وَدُسُرٍ) :
قال أهل التأويل (١) : الدسر : المسامير التي تشد بها السفينة.
وقيل : الدسر (٢) : أضلاع السفينة.
وقيل (٣) : صدرها.
وقال الحسن : هي السفينة ؛ لأنها تدسر الماء بجؤجئها (٤).
قال أبو معاذ : واحد الدسر : دسار ، وجمع الجؤجؤ : الجآجئ ، وهي الصدور.
ثم في قوله : (وَحَمَلْناهُ) ، وتسميته هذه المصنوعة : سفينة ـ دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله ـ تعالى ـ لأنهم هم الذين ركبوا السفينة ، ثم أخبر أنه هو الذي حملهم ، وكذا الخشب المجتمعة لا تسمى : سفينة ، إنما سميت بهذا الاسم الخاص بعد الإيجاد والصنعة الموجودة من العباد ؛ دل أن لله في فعل العباد صنعا ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) أي : بتقديرنا وبحفظنا.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٣٢٧٤٩) وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ١٧٩) وهو قول محمد بن كعب وقتادة وابن زيد.
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٢٧٥٦).
(٣) قاله عكرمة ، أخرجه عبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ١٨٠).
(٤) أخرجه ابن جرير عنه (٣٢٧٥٠) ، (٣٢٧٥٢).